الأخبار

د. عدلي فندح : البيانات اللحظية: مفتاح صنع القرار الفعّال

د. عدلي فندح : البيانات اللحظية: مفتاح صنع القرار الفعّال
أخبارنا :  

لا شك أن تبنِّي البيانات اللحظية (Real-Time Data) يمثل خطوة ضرورية حاسمة في دعم صنع القرار المستنير في الأردن، خاصة في ظل التحديات المتزايدة والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب استجابة سريعة وفعالة. البيانات اللحظية ليست مجرد تقنية حديثة، بل هي ركيزة أساسية لضمان الشفافية وتعزيز الثقة العامة وتحسين استجابة السياسات العامة في مختلف القطاعات.

تعتمد أهمية البيانات اللحظية على قدرتها على تمكين صناع القرار من التعامل بفعالية مع الأزمات والتحديات، سواء كانت طبيعية أو اقتصادية أو صحية. تقديم معلومات محدثة ودقيقة يساعد في تعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات، ويساهم في توجيه التنمية المستدامة من خلال تخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة. في الأردن، يظهر ذلك بوضوح من خلال تجربة مركز إدارة الأزمات، الذي يعتمد بشكل كبير على البيانات اللحظية في التعامل مع الأزمات المتنوعة. هذا المركز يقدم مثالاً عملياً على كيفية توظيف التكنولوجيا الحديثة لإدارة الموارد وتنسيق الجهود على المستوى الوطني والدولي.

في الولايات المتحدة، تعتمد لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية بشكل كبير على البيانات اللحظية لاتخاذ قراراتها بشأن أسعار الفائدة. يتم تحليل مؤشرات اقتصادية متنوعة مثل معدل التضخم ، نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات البطالة بشكل لحظي لتقييم حالة الاقتصاد. إذا أظهرت البيانات تسارعًا في التضخم ونموًا اقتصاديًا قويًا، قد تقرر اللجنة رفع سعر الفائدة لكبح التضخم. في المقابل، إذا أشارت البيانات إلى تباطؤ اقتصادي أو ارتفاع البطالة، قد تختار تخفيض الفائدة لتحفيز النشاط الاقتصادي. في حالة الاستقرار الاقتصادي، قد تقرر الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير. هذه العملية تعتمد على تحليل فوري ودقيق للبيانات لضمان استجابة فعالة ومرنة للتغيرات الاقتصادية.

لتحقيق التحول المطلوب نحو البيانات اللحظية في الأردن، هناك حاجة ملحة للاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية . يجب تطوير أنظمة حديثة لجمع ومعالجة البيانات، مع إنشاء قواعد بيانات مركزية تتيح الوصول السريع للمعلومات. بالإضافة إلى ذلك، يتعين التركيز على بناء القدرات البشرية من خلال تدريب الكوادر الوطنية على تقنيات تحليل البيانات وإدارة الأنظمة الرقمية. ومن المهم أيضاً تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستفادة من الخبرات الدولية، مثل تلك التي برزت في قمة «عين على الأرض 2015»، والتي سلطت الضوء على أهمية سد الفجوة في البيانات.

التجارب الدولية تقدم دروساً مهمة في كيفية الاستفادة من البيانات اللحظية. ومع ذلك، فإن العديد من البيانات الاقتصادية الكلية الرئيسية في الاردن ما تزال غير لحظية وتعاني من فجوة زمنية (Time lag) تؤثر على سرعة وكفاءة عملية صنع القرار. تشمل هذه البيانات الناتج المحلي الإجمالي الربعي، ومعدلات البطالة، ومستويات الفقر، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية الهامة. تعتمد هذه البيانات على دورات جمع وتحليل طويلة، مما يجعلها أقل فعالية في تقديم صورة فورية عن الحالة الاقتصادية. تقليل هذا الفارق الزمني يمكن أن يعزز من دقة الاستجابة السياسية والاقتصادية، وهو ما يبرز الحاجة الملحة لتطوير أنظمة بيانات لحظية تعالج هذا التحدي. إضافة إلى ذلك، يمكن لمحاكاة القدرة على التنبؤ بالتكلفة أن توفر فوائد كبيرة في عملية صنع القرار. تشمل هذه الفوائد تحسين جودة القرار من خلال تمكين المؤسسات من تقييم التكاليف المحتملة للخيارات المختلفة ومقارنتها بشكل موضوعي، مما يؤدي إلى قرارات تتسم بمزيد من الدقة والمواءمة مع الأهداف التنظيمية. كما تساعد هذه المحاكاة في تخفيف المخاطر عبر تحليل السيناريوهات المختلفة لتحديد تأثير المتغيرات على التكاليف واتخاذ قرارات واعية تقلل من المخاطر المحتملة. من جانب آخر، تساهم المحاكاة في تحسين الموارد عبر تخصيصها بكفاءة استناداً إلى فهم أعمق للتكاليف المحتملة، مما يعزز من فعالية استخدام الموارد. وأخيراً، توفر المحاكاة رؤى إستراتيجية تتيح للمؤسسات مواءمة قراراتها مع أهدافها طويلة الأجل واتخاذ خيارات تدعم رؤيتها الشاملة.

في الولايات المتحدة، تُستخدم نماذج مثل GDPNow لتوقع الأداء الاقتصادي، بينما تعتمد سنغافورة على أنظمة مراقبة متقدمة توفر رؤى دقيقة للأنشطة الاقتصادية. حتى في الدول النامية مثل رواندا، تُظهر التجربة أهمية البيانات اللحظية في دعم القطاعات الحيوية كالصحة والزراعة.

على المستوى الوطني، تلعب المؤسسات الأردنية دوراً محورياً في قيادة هذا التحول. دائرة الإحصاءات العامة هي المسؤولة عن جمع ونشر البيانات الوطنية، بينما يساهم البنك المركزي الأردني بشكل كبير في تحليل البيانات المالية. كما تدعم وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة التحول الرقمي، وتقدم بعض المنتديات ومراكز الابحاث وبعض الباجثين المختصية، في كثير من الاحيان، رؤى دقيقة لتحليل القضايا الاقتصادية.

تبني البيانات اللحظية في الأردن ليس خياراً بل ضرورة ملحة لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية. من خلال الاستثمار في التكنولوجيا، وتعزيز الكفاءات البشرية، وتفعيل الشراكات بين القطاعات، يمكن للأردن أن يعزز من تنافسيته ويحقق أهداف التنمية المستدامة بفعالية. إن اعتماد هذه المنهجية سيؤدي إلى تحسين عملية صنع القرار، ويضمن استجابة أسرع وأكثر دقة للتغيرات المستمرة في المشهد المحلي والعالمي. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك