بشار جرار : عيد الشكر المشمشي!
يا محاسن الصدف! العفو الرئاسي شمل هذا العام عفو الرئيس جو بايدن عن الديكين «بييتش» -مشمش- و»بلوسوم» -نّوار- من ولاية مينيسوتا التي ما زالت زرقاء «ديموقراطية» عصية على خلفه وسلفه الرئيس دونالد ترامب.
«نوّر المشمش» كما يقال في الأمثال الشعبية وفي رواية أخرى «نوّر الملح»، كناية عن تحقق معجزة أو إنجاز صعب تطلب أشهرا من العمل الدبلوماسي الدؤوب، تكلل أخيرا بالنجاح بإعلان وقف النار في لبنان وإسرائيل «برا وبحرا وجوا» عشية حلول عيد الشكر الأمريكي.
لكن رغم التفاؤل المشوب بالحذر فإن الاتفاق ليس أكثر من تعليق مشروط للعمليات العسكرية مدته تجريبية تدوم شهرين يتم خلالها انسحاب مليشيا «حزب الله» إلى ما وراء نهر الليطاني التي قامت الوحدة 91 بتأمينه عبر منطقة السلوقي قبل يوم من موافقة الحكومة الأمنية المصغرة في إسرائيل على وقف النار تحت طائلة استئناف الحرب في حال عودة مليشيا الحزب أو أي تنظيم مسلح إلى الجنوب أو الإتيان بأي عمل تراه إسرائيل عدائيا أو يفيد بمجرد النية لاستعادة القوة أو تنظيم الصفوف أو ترميم البنية التحتية.
وأيا كانت البنود المعلنة أم الخفية للاتفاق بما فيها الموافقة الشفوية التي قيل إن إسرائيل قد حصلت عليها لضمان حرية الحركة عسكريا في كل لبنان في حال جد جديد يخالف بنود الاتفاق أو روحه، أيا كانت فإن العبرة في مسألتين أولاها سقوط أو انكشاف عدم صدقية أو موثوقية شعار «وحدة الساحات». أما الثانية فهي سقوط مبرر تلك المليشيات على الساحة اللبنانية، بعد حظر اتفاق وقف النار في حال قيام أي منها بعمل عسكري عدائي حتى لو يتعلق بالبنية التحتية أو صنع الأسلحة أو استيرادها.
قد يتخوف البعض من عدم التزام الطرفين الرئيسيين بوقف النار، إسرائيل أو حزب الله (أو بالأصح إيران)، لكن الأرضية باتت مهيئة لتسريع كسب الساحات بعد نجاح تفكيكها وتحييد البعض منها. هذا الكسب قد يكون انفراجا دبلوماسيا بإنهاء تدفق شلال الدم منذ كارثة السابع من اكتوبر وقد يكون لا قدّر الله تصعيدا لا يدفع ثمنه إلا المدنيون العزل الذين لم تجهز لهم ملاجئ تحت الأرض مزودة بكل أسباب الحياة لا بل والرفاهية أيضا.
سقوط شعار وحدة الساحات وتباهي رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو في خوض ما وصفها حربا على «سبع جبهات» في كلمته الثلاثاء، هذا السقوط المدوي والمحرج لما سمته طهران «محور المقاومة والممانعة» سيؤدي إلى الإشارة المقتضبة في الكلمة إلى «التفرّغ» أو «التركيز» على إيران وقد يكون تحذير نتانياهو للرئيس السوري بشار الأسد بأنه «يلعب بالنار» إشارة إلى نيته تصعيد ضرباته لوكلاء إيران وعملائها في الساحتين السورية والعراقية ريثما يتولى ترامب مهامه الرئاسية ويقرر مصير الملف الإيراني الذي سيكون مرتبطا بتحرير الرهائن خاصة سبعة منهم ممن يحملون الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية.
فهل تنجو إيران بنفسها بممارسة الضغوط ذاتها على حماس أو «التعاون» ذاته الذي أبدته في لبنان فيما يخص حزب الله لمفاوضيها المباشرين وغير المباشرين؟ لا أقول إنها فاعلة، فقد فعلتها قبل عام ونيّف..
ما يريده بايدن كما قال في كلمته الثلاثاء هو المضي قدما بإحلال السلام، وصولا إلى اتفاق مشابه يسفر عن الإفراج عن الرهائن وبحث اليوم التالي لقطاع غزة الذي «لن تحكمه حماس» سعيا لتحقيق رؤية الدولتين وقيام «دولة فلسطينية لا تشكل تهديدا لأمن إسرائيل».
أمام بايدن خمسة وخمسين يوما قبل تنصيب ترامب وما يجمع الإدارتين فيما يخص ضرورة إحلال السلام في الشرق الأوسط أكثر مما يظن كثيرون، بمن فيهم أطراف حرب نظام الملالي.
أهو تواطؤ أم خذلان؟ لا فرق، أمام حجم المأساة التي ترتبت على نكبة ونكسة وكارثة السابع من اكتوبر على الفلسطينيين واللبنانيين والأقرب فالأقرب إليهما قلبا وقالبا.. ــ الدستور