لما جمال العبسه : «النفط» ضمن دائرة الصراعات الجيوسياسية
تداعيات العدوان الصهيوأمريكي على كل من قطاع غزة ولبنان، اضافة الى دخول العمليات العسكرية المتبادلة بين دولة الكيان الصهيوني وإيران الى مسرح العمليات في منطقة الشرق الاوسط، اصبحت الآن أحد أبرز العوامل الرئيسية لحالة عدم الاستقرار التي تشهدها الاسواق العالمية خاصة أسواق النفط، التي خرجت التوقعات بشأنها عن قدرة المتوقعين في ظل استمرار العدوان الصهيوني المتجاوز لكافة الحدود والضرب بعرض الحائط كل القيم الإنسانية والاخلاقية وصولا الى المصالح الاقتصادية والاستقرار في دول المنطقة امتدادا لدول العالم فيما يخص حالة الأمان الاقتصادي.
في ظل هذا المعطى القديم الجديد وزيادة تأثيراته، قامت مجموعة أوبك+ امس الاول الاحد باتخاذ قرار تأجيل زيادة إنتاج النفط التي كانت مقررة في شهر ديسمبر/ كانون أول المقبل ولمدة شهر واحد، وبالمناسبة فإن هذا العامل يُضاف الى اخرى ذات وزن في ارتداداتها الممتدة على أسواق النفط العالمية التي ادت بالمجموعة الى الجنوح نحو التخفيض منذ العام 2022 وحتى اللحظة، وأبرزها ضعف الطلب العالمي على النفط خاصة من قبل الصين، عدا عن زيادة المعروض من النفط من خارج المجموعة.
يوما بعد الآخر يدفع العالم اقتصاديا وسياسيا واستقرارا ثمن الرغبة الامريكية بمساندة من الدول الاوروبية في بسط الهيمنة على العالم وفرض التغيرات الجيوسياسية التي ترغب بها وفقا لمصالحها التي ادت بمصالح العالم الى السير في طريق مسدود في المرحلة الحالية، فهي لا تزال ترى في البقاء على نار الحرب بين روسيا وأوكرانيا متقدة اساسا في استمرار بسط هيمنة القطب الواحد «امريكا» على العالم في كافة الجوانب وذلك مع رضوخ معظم الدول الاوروبية الكبرى لهذه الرغبة التي اودت باقتصادات بعضها الى مستويات متدنية تحتاج معها لسنوات طويلة لترميم واعادة بناء ما هدمته هذه الرغبة.
والآن مع القيمة الجديدة التي فرضتها الادارة الأمريكية الحالية على العالم والمتمثلة « في حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها... مع الدعم الامريكي المطلق لها» فإن تأثرات هذا الحق المزعوم المتمثل في اشاعة الفوضى في منطقة الشرق الاوسط وترسيخ حالة عدم الاستقرار التي ظهرت معها تأثيرات امتدت الى الاقتصاد العالمي وتمثلت في اضطراب الاسواق العالمية على رأسها أسواق النفط التي لازالت تختبر حاجز الـ 80 دولاراً للبرميل الواحد ومن غير المتوقع ان تصل اليه، على الاقل حتى نهاية العام الحالي.
في البداية كانت واشنطن تضغط على المنظمة لزيادة الانتاج في محاولة لتركيع روسيا من خلال افقادها لمصدر دخل هام لخزينتها والمتمثل في ايراداتها النفطية، الا ان المنظمة التي رأت في ان الاسواق تشهد حالة من الفوضى بسبب زيادة المعروض وعدم تناسبه مع الطلب العالمي على النفط الذي هو منخفض اصلا، ومحاولات فرض واقع جيوسياسي جديد شرقا ما ادى الى حالة من النفور الاستثماري عن صح التعبير، ما دفع أوبك+ لاجراء تخفيضات انتاج اجبارية ومن ثم طوعية.
الرغبة الجامحة لامريكا في ابقاء هيمنتها الاقتصادية تحديدا على العالم اودت باقتصادات المناطق والبلدان الى مآلات صعبة، صحيح ان بعضها لديه القدرة على تجاوزها، الا ان البعض الآخر يحتاج لعقود حتى يخرج من عنق الزجاجة التي دفعته هذه السياسات الى قاعها.
لا تريد الادارة الأمريكية الحالية الخروج من الاطار الذي وضعت نفسها فيه كوريث شرعي للعالم اجمع، ولا نعتقد بان الادارة الجديدة ستختلف كثيرا عن هذا الامر، الا ان المعطيات الحالية والتغيرات الحاصلة على مستوى العالم والتي قامت بها دول تريد الانفكاك من مظلة «القطب الواحد» تستوجب اعادة النظر في سياستها الحالية، خاصة وانها لاتزال ذات تأثيرات مباشرة خاصة على الدول النامية في العالم بشكل عام.
ولابد هنا من القول بأن صعوبات التنبؤ بما يمكن ان يحدث على المدى القصير والمتوسط انما هو مؤشر مرتفع الخطورة على الجميع دون استثناء. ــ الدستور