اسماعيل الشريف يكتب : أسياد الكونغرس
عندما يسيطر المال على السياسة، فإن الديمقراطية تصبح مملوكة للأثرياء - بيرني ساندرز.
ستظل صورة نتن ياهو خلال زيارته الأخيرة للكونغرس الامريكي في شهر حزيران الماضي راسخة في الأذهان؛ فقد استُقبل مجرم الحرب هذا وقاتل الأطفال بحفاوة منقطعة النظير، فيما كانت الشوارع الأمريكية تعج بالمتظاهرين المنددين بحرب الإبادة في غزة. حظي نتن ياهو بترحيب لا يُمنح عادةً لأي شخص، حتى للرئيس الأمريكي، إذ صُفق له ستين مرة وقوفاً، في مشهد يثير الاشمئزاز والإهانة لجميع القيم الإنسانية .
سبب هذه الاحتفالية يعود إلى تأثير لجنة الشؤون العامة الأمريكية «الإسرائيلية»، المعروفة بـ»AIPAC» (آيباك) - إحدى أقوى مجموعات الضغط في الولايات المتحدة، التي تهدف إلى تحقيق مصالح الدولة المارقة عبر تمويل المرشحين وممارسة الضغوط على السياسيين-. التي ساهمت بشكل مباشر بأموالها الى إيصال 365 نائباً من أصل 435 في مجلس النواب، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من أعضاء مجلس الشيوخ.
نشر موقع ذا إنترسبت تقريراً هاماً حول تأثير آيباك على انتخابات مجلس النواب الأمريكي وكيفية إنفاق أموالها. ونظراً لأهمية هذا التقرير، قمت بتلخيصه للقارئ الكريم بتصرف، متجنباً الخوض في التفاصيل المالية:
على مدار سنوات، دعمت آيباك الكيان الصهيوني عبر التواصل مع السياسيين ودعمهم مالياً لتبني سياسات داعمة لها. لكن في عام 2022، غيّرت استراتيجيتها وبدأت في استخدام تبرعاتها بشكل مباشر واضح لتمويل الحملات الانتخابية، مما منحها تأثيراً أكبر على نتائج الانتخابات.
تحصل آيباك على تبرعات من أثرياء جمهوريين وديمقراطيين ومنظمات صهيونية، وركّزت استراتيجيتها الجديدة على هزيمة السياسيين التقدميين الذين ينتقدون سياسات الدولة المارقة ضد الفلسطينيين أو يعترضون على حجم المساعدات الأمريكية المقدمة لها. وعندما طبقت هذه الاستراتيجية الجديدة، حققت نجاحاً فورياً بهزيمة اثنين من أبرز نواب ميشيغان.
في انتخابات مجلس النواب غداً، أعلنت آيباك أنها ستنفق 100 مليون دولار، وهو مبلغ يمثل 16% من إجمالي إنفاق الجماعات الأخرى في عام 2020، وهو أعلى مبلغ في تاريخ الولايات المتحدة. وقد أعلنت ذلك وسط الإبادة الجماعية التي تشهدها غزة.
وُجهت هذه الأموال إلى دعم 80% من المرشحين؛ حيث توزعت كالتالي: 233 مرشحاً جمهورياً، و152 مرشحاً ديمقراطياً، وثلاثة مستقلين، من بينهم 88 مرشحاً بدون منافس. يتركز الدعم في الولايات الكبرى مثل نيويورك وكاليفورنيا، وتسعى آيباك للسيطرة على الولايات الصغيرة أيضاً.
تتلقى آيباك تبرعات من الجمهوريين والديمقراطيين، لكنها تفضل دعم المرشحين الجمهوريين مع تبني بعض الديمقراطيين البارزين المتوقع لهم مستقبل سياسي واعد. والأموال الممنوحة لا تُخصص دائماً للمرشحين أنفسهم؛ بل تُوضع في صندوق مشترك تدعمه مختلف الأطراف، ويُوجَّه للداعمين لمصالح الدولة المارقة.
آيباك تفضل دعم المرشحين الأكثر ولاءً للصهاينة، وتركز على أولئك المتطرفين في دعمهم، مثل من يدعون لترحيل الفلسطينيين. كما اتبعت استراتيجية جديدة قائمة على إنفاق أموال ضخمة لإفشال مرشحين أو تمويل حملات دعائية ضدهم، مثل السيناتور بيرني ساندرز المناهض للصهيونية.
تختلف المنظمات الصهيونية الداعمة للدولة المارقة في بعض الرؤى، مثل الإصلاح القضائي أو الاستيطان، لكنها تتفق على دعم الدولة المارقة والسعي لإيصال مرشحيها للكونغرس.
للأسف، لا توجد جماعات ضغط عربية أو إسلامية تضاهي نفوذ آيباك؛ فجميعها دفاعية تهدف لحماية الجاليات العربية والإسلامية فقط، مثل مجلس الشؤون العامة الإسلامية واللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية.
أما الجماعات الفلسطينية، فهي صغيرة وغير مؤثرة، بموارد مالية محدودة، مثل المعهد الفلسطيني للدبلوماسية العامة ومنظمة «صوت يهودي من أجل السلام» والمنتدى الفلسطيني الأمريكي.
بعض الدول العربية تنفق ملايين الدولارات على شركات العلاقات العامة لتحسين صورتها، لكنها لا تدعم القضايا العربية والفلسطينية. في رأيي، لو جُمعت هذه الأموال لتأسيس منظمة تضاهي آيباك، لخدم ذلك القضايا العربية بشكل أكبر، لكننا أمة منقسمة وضعيفة.
في هذه الانتخابات، ظهرت آيباك علناً وبكامل قوتها، تخوض معركة حاسمة في ظل تصاعد الدعوات لإبعاد المال عن السياسة. أعتقد أن هذه الانتخابات ستفرز مجلس النواب الأكثر ولاءً للصهاينة، وقد نرى مستقبلاً تزايداً في عدد النواب والشيوخ المؤيدين للقضايا العربية، وإذا تحقق ذلك، فاقرأ السلام على الدولة المارقة.
فالتغيير لم يحن بعد!
ــ الدستور