عصام قضماني : لتحولات في المساعدات والمنح
لا شك أن ملاحظة التحولات في اسلوب الدول المانحة لدعم الاردن كانت بدأت في وقت مبكر لكن البعض لا يريد ان يرى ذلك.
هناك تناقص في المساعدات التي تمنحها الدول للاردن على شكل نقد في مقابل الزيادة الملحوظة في الاموال التي تذهب لتمويل مشاريع متفق عليها.
فمثلا بلغت قيمة المساعدات الخارجية من المنح والقروض الملتزم بها للأردن والموقعة قرابة 2.067 مليار دولار؛ تشتمل على المنح الاعتيادية، والقروض الميسرة، والمنح الإضافية لدعم خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية.
هناك نوعان من المنح والمساعدات؛ الاول يذهب لدعم الموازنة اما الثاني فيذهب مباشرة لتمويل مشاريع لكن ما ينبغي على وزارة التخطيط كجهة تتلقى المساعدات والمنح ان تفصل بين المنح المجانية والقروض الميسرة من دون جمعهما في بند واحد فالفرق بينهما كبير.
هذه ملاحظة على الهامش اما الامر الاساسي فهو ان التحولات في المنح ذات المصادر الدولية كانت بدأت مبكرا عندما قررت تلك الجهات ان تدخل الى صلب حاجات الاقتصاد من الخدمات بالتوافق مع الحكومات الاردنية فتختار من بينها الاولويات ومنها قطاعات المياه والصرف الصحي والتشغيل والتدريب المهني وسبل العيش وخدمات البلديات وإدارة النفايات الصلبة، والحماية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والشباب والثقافة والعدل والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، والزراعة والأمن الغذائي وتكنولوجيا المعلومات والصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية كدعم قط?عي من خلال الموازنة.
اما التحولات المثيرة والتي اثارت جدلا بين حاجة الاردن لتمويل المشاريع وحاجة الموازنة الى النقد لتضييق فجوة عجز الموازنة تخفيفا للاستدانة فهي تلك التي شهدتها المنح العربية وخصوصا دول الخليج العربي.
على طريقة المثل الصيني «السنارة لصيد سمكة» هو الخيار الأفضل بالنسبة للأردن اليوم، والتحول الاستراتيجي لدول الخليج الى الاستثمار هو دليل ثقة بقوة الاقتصاد الأردني والفرص التي يتيحها.
لكن من ناحية ثانية لا يزال الاردن بحاجة ماسة الى الدعم على شكل نقد لتضييق فجوة عجز الموازنات التي تتحول الى مديونية!
لكن من ناحية اهم هناك قناعة من الدول المانحة ان الأردن لا يحتاج الى خطة إنقاذ فهو ليس متهاوياً ينتظر أن تمطر السماء عليه بدولارات يملأ بها خزائن الاحتياطيات, ويسعف قيمة ديناره!!, هو يحتاج الى استثمارات هادفة تتصف بالديمومة..
هذه هي الاستراتيجية الجديدة التي تحولت اليها دول الخليج واقتفت بها اكثر الدول الاجنبية وهي ما يحتاجه الأردن.. وهذا صحيح لكن الصحيح ايضا ان برامج تحويل الديون الى استثمارات كما فعلت بعض الدول الاجنبية برنامج مطلوب ويتعين على الحكومة احياؤه.. شكل علاقة الأردن مع دول الخليج تغير كثيرا، منذ المنحة الخليجية وقد وجد هذا التغيير تفهما من الحكومات الاردنية المتعاقبة التي راحت تعد قوائم بمشاريع تعتقد انها اولية بعضها اصاب اهدافه واخرى لم يكن لها لزوم.
الأردن من جانبه مضى في تغيير استراتيجيته في بناء العلاقات مع جواره الخليجي, إستراتيجية غيرت طبيعة العلاقة الاقتصادية بشكل لا يغفل روح الأشقاء لكنها تأخذ بالاعتبار المصالح والمنفعة المشتركة.
ثمة أصوات انشغلت في تحليل شكل التغيير في هذه العلاقة وغاياتها واهدافها ومستقبلها لكن العلاقات مع بلدان الخليج ثمينة, وبناؤها تطلب جهودا مضنية وتفهما مقدرا في الاتجاهين, وحمايتها وتنميتها مصلحة مشتركة.
المتغيرات التي تمر بها دول الخليج ذاتها فرضت تغييرا جوهريا على العلاقة, بظني هي نحو الأفضل, فلا مكان اليوم في اجندتها للمساعدات والمنح المجانية التي تأتي مرة واحدة وتصرف مرة واحدة, التغيير حصل لكن نحو مأسسة العلاقة, وبات الاستثمار في مشاريع دائمة تحقق فائدة للطرفين وتخلق فرص عمل وتدر دخلا متكررا للدولة هو الشكل الجديد للعلاقة التي طالما نادينا بها وطالما سعى الأردن حثيثا اليها.
بعض المسؤولين والمحللين لم يلتفتوا الى هذه المتغيرات الإيجابية وهم لا يرغبون في ملاحظتها, ويعتقدون أن من واجب دول الخليج الإبقاء على حنفية الدعم المجاني غير المفيد وبدلا من مواجهة الآليات الجديدة بخطط وبرامج مقنعة, يتمسكون بذات اللغة القديمة التي لم تعد موجودة.
تحويل المنح والمساعدات من الدعم «النقدي» الى استثمار ومشاريع حيوية يحتاجها الأردن خطوة صحيحة, فهذه المشاريع سرعان ما تتحول الى أصول تضاف الى الأصول ذات القيمة الكبيرة في البنية التحتية للاقتصاد الأردني وتسهم في توليد عائدات مالية متكررة وفرص عمل دائمة. لكن هناك حاجة للمزج بين البينين اذ ما زال الاردن يحتاج لكلا النوعين.
ــ الراي
qadmaniisam@yahoo.com