الأخبار

بشار جرار : حرارة الإيمان وبرود اليقين

بشار جرار : حرارة الإيمان وبرود اليقين
أخبارنا :  

اتخذت من الدعاء أعلاه عنوانا لمقالتي التي أكرسها لتلك الأرواح البريئة التي فقدناها إثر كارثة «الشمّوسة»، المأساة التي لا تغطى شمس حقائقها غربال. أولى تلك الحقائق غياب الموثوقية الصناعية، وثانيها تقصير في الرقابة الأولية والمتواصلة، وثالثها غياب أو ضعف وعي المستهلك أو بالأحرى مدى قيام القائمين على حماية المستهلك بالمهام والواجبات الموكلة إليهم. تلك العبارة في القسم الوزاري ليست حكرا على الفريق الوزاري لأي حكومة، ما دام كل منا راع وكل مسؤول عن رعيته، ومادام من شيم الأبرار الخلاص من الأوزار بتفاديها أو تحمل مسؤوليتها بشفافية أمام الله والضمير والناس.
الموت طلبا للدفء يفاقم أحزان الفقد. لا فرق في ذلك بين غني وفقير، فبفارق بضعة أيام فقدنا أفراد أسرة بوسائل تدفئة مختلفة، ومن أحياء سكنية متفاوتة الدخل. أكثر القتلة خسة أولئك الغادرون الذين يتسللون من مأمن إلى أعز الناس. هكذا تسلل غاز الكربون في هيئته الأحادية بلا لون ولا رائحة، تسلل أول أوكسيد الكربون وانسلّ بلؤم تحت ناظر راعي البيت والوالدين إلى أجساد فلذات الأكباد الغضة. تلك جريمة ما انفكت تهزنا من الأعماق كل شتاء. وكأن ثمة متربص بخيرات السماء وأمطار الغيث وثلوج الغوث، يريد التنغيص على فرحتنا بعطايا إلهية ومكرمات ربانية ننتظرها بفارغ الصبر من عام إلى عام ونرفع لها صلوات الاستسقاء جماعة في الخلاء وفرادى سرا في دعاء بعد كل صلاة.
بارك الله في أجهزتنا الأمنية وتلك المعنية مباشرة، نشامى الأمن العام والدفاع المدني. أضيف إليهم نشامى حرس الحدود الذين يصدون بصدورهم عن أسرنا وبيوتنا ومدارسنا وأنديتنا إرهاب المخدرات فمن أين أتى هذا الوحش متخفيا بلبوس الدفء إلى أحضان عائلاتنا الآمنة؟ المعركة واحدة ألا وهي الوعي، وثمة مناعة ذاتية أولى بالاستنهاض، ألا وهي الرضى والقدرة على التكيف، وهو سر أسرار بقاء الإنسان، رغم ما مر على البشرية من أهوال طبيعية وبشرية.
ما زلت أذكر زمهرير برد مقاطعة وست يوركشاير في إنجلترا بالمملكة المتحدة. كنا نتحاور مع الطلبة العرب، أيهما أقسى برد بلادنا أم برد الإنجليز، أو تراها الغربة؟ وكذلك تجدد الحوار بعد الهجرة إلى بلاد العم سام، لكنه أخذ منحى مختلفا خاصة في ولاية فرجينيا التي فيها مناطق صدق فيها شعار «فور سيزنز» ليس تلك الفنادق الكندية العالمية، بل كناية عن احتمالنا العيش في أربعة فصول في أقل من أربع وعشرين ساعة، وبعضها ما يعرف بالطقس المتطرف «إكستريم وِذِر» حيث برد وحر لا يطاق، تشعر فيه بالحرج من التنعم بالتكييف والتدفئة داخل البيت ومكان العمل والتسوق والسيارة، وبعض الناس يعانون التشرد أو تتطلب طبيعة عملهم الكد وطلب الرزق في أماكن مفتوحة، رغم الجهد العضلي وأحيانا الخطر الذي يقوم به العمال، خاصة عمال المياومة.
لطالما كانت إجابتي للإخوة من ثقافات أخرى، ذلك الدعاء: اللهم حرارة الإيمان وبرود اليقين. الظفر بهما نعمة أتمناها للناس أجمعين. وأخص بها ذلك الشخص وأولئك الأشخاص المقصرين في استيراد وتركيب تلك المدافئ القتّالة الغدّارة. كيف ينامون وكيف يحضنون أحبتهم طالع كل شمس قبل الخروج من البيت طلبا للرزق. أي رزق وأي مال سحت هذا المغمس بأرواح بريئة أسلمت نفسها الأخير وعادت إلى بارئها وهم نيام. ناموا بدفء وتركوا المقصرين من بعدهم يرتعدون من برد فيه صرير الأسنان، إلا من رحم ربي. حتى ذلك الشخص الذي قصر بعدم ترجمة التحذير المرفق من المصدر المنتج بأن «شموسة» مصممة على نحو تستخدم فيه فقط استخداما خارجيا وفي أماكن مفتوحة، ذلك المقصر في ترجمة التحذير شريك في تحمل المسؤولية ولا أريد أن أقول الجريمة، لأن تلك أمور لا يحق لأحد الحديث فيه سوى رجال الأمن والقضاء، رعاهم الله.
كتب الله مقام شهداء الدفء في عليين، ومنح ذويهم وأحبتهم برود اليقين، بأن الله جابر الكسر، منه العوض وفيه العوض كله. ويا سعد من ظفر بأجر الجبر قبل الكسر، كما علّمنا شيوخ عشائرنا وكبارنا عندما كان الرجال يقدّرون بمدى قدرتهم على تفادي كل ما يؤذي ويسيء قبل الاضطرار إلى ردعه وإصلاح خرابه.

مواضيع قد تهمك