هاشم عقل : هل يقود ترامب العالم إلى نظام C-5؟
من العولمة الليبرالية إلى إدارة العالم بين خمس قوى كبرى
في ظل
التحولات الجيوسياسية المتسارعة، ومع عودة دونالد ترامب إلى واجهة القرار
السياسي الأميركي، عاد الحديث مجددًا عن إعادة تشكيل النظام العالمي، لكن
هذه المرة ليس عبر المؤسسات التقليدية التي تأسست بعد الحرب العالمية
الثانية، بل من خلال تصور جديد يقوم على إدارة العالم مباشرة بين عدد محدود
من القوى الكبرى. أحد أكثر هذه التصورات إثارة للجدل هو ما يُتداول
إعلاميًا تحت مسمى C-5، وهو إطار غير معلن يضم الولايات المتحدة والصين
وروسيا والهند واليابان.
ورغم غياب أي إعلان رسمي يؤكد اعتماد هذا
النظام، إلا أن تداوله يعكس تحوّلًا عميقًا في طريقة التفكير الأميركية
تجاه إدارة النظام الدولي، ويستحق قراءة تحليلية تتجاوز العناوين المثيرة.
من النظام الليبرالي إلى «نادي الكبار»
منذ نهاية الحرب الباردة، قادت الولايات المتحدة نظامًا دوليًا قائمًا على:
المؤسسات متعددة الأطراف (الأمم المتحدة، صندوق النقد، البنك الدولي)
التحالفات العسكرية (الناتو)
العولمة الاقتصادية والأسواق المفتوحة
لكن هذا النموذج، بحسب رؤية ترامب والتيار الشعبوي القومي في واشنطن، أصبح:
مكلفًا للولايات المتحدة
غير عادل تجاريًا
عاجزًا عن ضبط صعود قوى منافسة مثل الصين
من هنا يظهر منطق C-5:
ليس تحالفًا أيديولوجيًا، بل منصة لإدارة التوازن بين القوى الكبرى، بعيدًا عن الاعتبارات القيمية، وبقواعد براغماتية صريحة.
لماذا هذه الدول الخمس؟
اختيار الولايات المتحدة، الصين، روسيا، الهند، واليابان ليس اعتباطيًا، بل يعكس معايير واضحة:
القدرة العسكرية (خصوصًا النووية)
الحجم الاقتصادي
التأثير الإقليمي والعالمي
التحكم بسلاسل الإمداد والطاقة والتكنولوجيا
هذه الدول الخمس:
تمثل أكبر مراكز القوة الصلبة
تملك قرار الحرب والسلام
تؤثر مباشرة في أسواق الطاقة والغذاء والمال
في المقابل، يبرز غياب أوروبا كأحد أكثر العناصر دلالة، ما يشير إلى تراجع وزنها السياسي مقابل استمرار ثقلها الاقتصادي فقط.
ماذا يريد ترامب فعليًا من هذا الطرح
أولًا: تقليص عبء التحالفات
ترامب ينظر إلى التحالفات التقليدية بوصفها:
التزامًا أحادي الجانب
كلفة مالية وأمنية غير متوازنة
نظام C-5 يسمح للولايات المتحدة:
بالتفاوض مباشرة مع خصومها
بتقليل الاعتماد على الحلفاء
بتحويل السياسة الخارجية إلى صفقات واضحة
ثانيًا: احتواء الصين دون حرب
بدل سياسة «الاحتواء الكامل»، يفضل ترامب:
إدارة الصراع مع الصين
وضع خطوط حمراء اقتصادية وأمنية
الحفاظ على قنوات تفاوض مباشرة
وجود الصين داخل إطار C-5 يعني:
ضبط التنافس
تقليل مخاطر الانفجار العسكري
تقاسم غير معلن لمجالات النفوذ
ثالثًا: إعادة تدوير روسيا
في منطق ترامب:
عزل روسيا دفعها أكثر نحو الصين
إشراكها قد يفصلها جزئيًا عن بكين
روسيا تبقى لاعبًا لا يمكن تجاهله في الطاقة والأمن
الشرق الأوسط: خارج الطاولة داخل الحسابات
أحد أخطر تداعيات التفكير بنظام C-5 هو أن الشرق الأوسط:
لن يكون شريكًا في صنع القرار
بل موضوعًا للتفاهم بين القوى الكبرى
قضايا مثل:
أمن الخليج
البرنامج النووي الإيراني
أسعار النفط
أمن الممرات البحرية
قد تُناقش وتُدار دون حضور مباشر لدول المنطقة، ما يعيد إنتاج منطق «مناطق النفوذ» بدل الشراكة.
الطاقة والنفط: عودة السياسة إلى السوق
في إطار C-5، قد نشهد:
تنسيقًا غير مباشر بين كبار المنتجين والمستهلكين
سعيًا لتثبيت أسعار الطاقة
تقليل الصدمات في الأسواق العالمية
هذا التوجه:
يضعف الدور التقليدي لأوبك
يقلّص هامش الدول المتوسطة
يعيد تسليع الطاقة كأداة استقرار سياسي لا كمجرد سلعة سوقية
هل C-5 قابل للتحقق؟
الواقع أن فرص تحوله إلى نظام رسمي تبقى محدودة بسبب:
التناقضات العميقة بين أعضائه
الرفض الأوروبي
القيود الداخلية داخل الولايات المتحدة نفسها
لكن في المقابل، من المرجح أن يتحقق كمنهج تفكير:
في إدارة الأزمات
في عقد الصفقات الكبرى
في تجاوز المؤسسات التقليدية عند الحاجة
عالم أقل مثالية وأكثر واقعية
سواء تحقق C-5 كإطار رسمي أم لا، فإن مجرد تداوله يعكس حقيقة واحدة:
العالم ينتقل من نظام قائم على القواعد والمؤسسات،
إلى نظام تُديره موازين القوة والصفقات المباشرة.
في هذا العالم الجديد:
الكبار يتفاوضون
المتوسّطون يتكيّفون
والصغار يراقبون بحذر
والسؤال الأهم ليس:
هل سيقوم نظام C-5؟
بل: هل العالم مستعد للتعايش مع نظام تُدار فيه السياسة الدولية خلف أبواب.