الأخبار

الدكتور صالح إرشيدات يكتب : في وداع الصديق النائب الوطني المرحوم غازي مشربش

الدكتور صالح إرشيدات يكتب : في وداع الصديق النائب الوطني المرحوم غازي مشربش
أخبارنا :  

بقلم: الدكتور صالح إرشيدات

في لحظات الوداع، نكتشف كم يترك بعض الرجال أثراً لا يزول في الذاكرة والوجدان. من هؤلاء كان الصديق الغالي والنائب الوطني المرحوم غازي مشربش؛ رجل عرفناه مثالاً في الوطنية والإنسانية وحسن الخلق، حاملاً طاقة لا تهدأ في خدمة وطنه وأمته، وبانياً لجسور التعاون الثقافي والإنساني بين الشعوب.

كانت بدايات علاقتي بالمرحوم قبل أكثر من ثلاثة عقود، حين جمعنا الشغف المشترك بفكرة التقارب بين الشعوب عبر الثقافة والتعليم. ومن هذا الشغف انطلقت جمعية الصداقة الأردنية الألمانية التي شاركنا في تأسيسها عام 2002. منذ تلك اللحظة، كان غازي مشربش واضح الرؤية، مؤمناً بأن الحوار والتبادل الثقافي يفتحان أبواب التعاون الأوسع، وأن بناء الثقة بين الشعوب يبدأ من المعرفة والانفتاح.

امتلك الفقيد شخصية مبادرة، لا تعرف التردد ولا الكلل. وضع نصب عينيه تعزيز العلاقات الأردنية الألمانية، خاصة في المجالات الأكاديمية والثقافية والشبابية. وكان يؤمن بأن احتكاك الشباب الأردني بالتجربة الألمانية في التعليم والصناعة والتكنولوجيا يفتح أمام وطننا آفاقاً جديدة.

ساهم بلا حدود في بناء شبكات تعاون مع مؤسسات ألمانية متعددة، بدءاً من مخيم شنلر في عمان وصولاً إلى الجامعة الألمانية الأردنية التي تحولت بفضل الدعم والجهد إلى مشروع وطني رائد، يجمع بين التعليم الألماني والأردني ويخرج أجيالاً تحمل فكراً عالمياً.

ولم يتوقف دوره عند الجامعات، بل توسع تأثيره إلى المدارس الثانوية في ولايات ألمانية متعددة، حيث عمل على تنظيم زيارات طلابية وتبادل ثقافي بين الشباب الأردني والألماني، منح الطرفين تجربة إنسانية عميقة. لم يكن دوره مجرد إدارة برامج، بل قيادة واعية ترى أن التقارب الإنساني أقصر الطرق لبناء علاقات دولية ناضجة.


من أبرز إنجازاته دوره في تنظيم زيارات الوفود البرلمانية الألمانية إلى الأردن، وما نتج عنها من لقاءات مثمرة وحوارات جدية مع البرلمانيين الأردنيين. أسهمت هذه الزيارات في تطوير فهم أعمق للواقع الأردني وفي تعزيز الدبلوماسية البرلمانية بين البلدين.

بفضل إخلاصه وإخلاص زملائه المؤسسين، أصبحت جمعية الصداقة الأردنية الألمانية نموذجاً ناجحاً للمجتمع المدني المؤثر في السياسة الخارجية وبناء الثقة بين الشعوب. وتحوّلت أنشطتها إلى موضع تقدير وأعجاب من الجهات الرسمية وغير الرسمية في الأردن وألمانيا.


في عام 2008، انتقل الفقيد إلى ساحة العمل البرلماني والحزبي، فكان من المؤسسين لحزب التيار الوطني وعضواً فاعلاً في المجلس المركزي، ثم عضواً في كتلة التيار الوطني النيابية. وقد عرفناه نائباً وطنياً صادقاً، يعبر عن هموم المواطنين بوضوح، ويعمل بصمت وإخلاص بعيداً عن الاستعراض.

ساهم في صياغة ومناقشة عدد من التشريعات الوطنية المهمة، وكانت بصمته واضحة لدى زملائه والمتابعين للشأن العام. كان يرى أن العمل النيابي رسالة ومسؤولية، وليست منصة للظهور الإعلامي.

كان خبر رحيله فاجعة لكل من عرفه، فقد رحل وهو في كامل عطائه، مفعماً بالطاقة والتخطيط للمستقبل. كانت روحه الإيجابية وابتسامته الدافئة تبث أملاً في كل من يلتقيه. ورغم رحيله المبكر، فإن أثره سيبقى حياً في نفوس الناس ومؤسسات الوطن التي خدمها.

لقد ترك خلفه إرثاً إنسانياً ووطنياً كبيراً فعائلته وزوجته وابناءه تشبعوا بافكاره، وورث عنه نجله فريد الإخلاص نفسه للعمل العام، وسار على خطى والده التي رُسمت بالمحبة والعطاء.

كلمة الختام

في وداع غازي مشربش لا نقول وداعاً فقط، بل نقول شكراً.
شكراً لروحك الوطنية، لوفائك لأصدقائك، ولتفانيك في خدمة الأردن.
ستبقى ذكراك حية في قلب الوطن وفي قلوب كل من عرفك أو استفاد من جهدك أو لمس محبتك.

رحمك الله يا أبا فريد، وأسكنك فسيح جناته، وألهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.

مواضيع قد تهمك