خلدون ذيب النعيي : إلى الحسين بن طلال في ذكرى ميلاده التسعين
أحادثك رحمك الله والرابع عشر من تشرين الثاني هذا العام يأتي اعلاناً
بذكرى ميلادك التسعين، فأنا من جيل عاش طفولته وبداية إدراكه والاردن
والحسين وجهان لعملة واحدة وقد تبوأت مسيرة الوطن على مدى يقارب نصف قرن
فكان تعزيز استقلال الأردن في قراره السيادي ونهضته الاقتصادية والاجتماعية
منطلقه الرهان على انسانه المعطاء في ظل ضعف الموارد وفي وقت كان قيادته
العسكرية أجنبية، فكان أعظم قراراتك في مطلع ذات آذار التضحية بالمعونة
الانجليزية التي كانت عماد خزينة الدولة في سبيل ان يكون قادة جيش الوطن من
أبنائه ونقلت الاردن من دولة كانت الكهرباء تقتصر في بداية المسيرة على
المدن الكبرى لتصل الى أقصى نواحيه في قرى الاردن وبواديه، لم نرى فيك رحمك
الله اطفالاً رغم عظم جهدك ومسؤولياتك الا ذلك الاب الذي يحضن الأردن
وابناءه فلا زلت اذكر حبك للاجتماع بالأطفال في شتى المناسبات والاستماع
لهم، ففي الوقت الذي كنا نراك فيه تنحني لحديث طفل او طفلة تواضعاً كنا نرى
ايضاً انحناء هامات الرجال لك احتراماً.
لا زلت اذكر بطفولتي ابي رحمه
الله وضيوفه من اقرانه عندما كانوا يرونك على شاشة التلفاز وقد علا الشيب
شعرك، اسمعهم يتكلمون «كان الله بعون الحسين فقد شاب شعره وهو الذي تولى
المسؤولية في الثامنة عشرة من عمره فأقرانه لم يكونوا بعد قد استقلوا عن
عائلته وهو قد تولى مسؤولية وطن»، فقد حملت المسؤولية في بناء الاردن
الحديث وكان هدفك رفعة الوطن ومواطنه وقد ادركت ان الاردن المعطاء لأمته
اساسه مواطن يعيش بكرامة لا تنحني الا لله ويدرك عظم الانجازات بل ويكون هو
الاساس في صنعها فكانت مقولتك الخالدة «فلنبن هذا البلد ولنخدم هذه
الأمة»، فعززت هنا القناعة ان أساس صدق العطاء الأردني لقضايا الأمة هو
بناء ذاته القادرة على الاستئثار بالقرار والتنمية فكان الاردن طيلة الوقت
حامل هم القضية الفلسطينية بكل قوة وصدق الطرح لدى مختلف الأصعدة، وكان
الحسين الحكيم المسموع من الجميع بصدق رأيه وعمق قناعته.
ليس غريباً أن
يأتي ذكرى ميلادك هذا العام بالتزامن مع جولة جلالة الملك عبدالله الثاني
الاسيوية التي تهدف لفتح آفاقا جديدة أمام الاقتصاد الوطني في قلب أسرع
الأقاليم نموا اقتصاديا بالعالم، فنجلك عبد الله الذي نذرته منذ ولادته
للوطن وقضايا الأمة قد علا الشيب أيضاً مفرق رأسه وهو يضع مجد الأردن وبناء
قوته ومكانته السياسية والاقتصادية الهدف الاسمى منذ توليه المسيرة، فقد
قطع الاردن شوطاً كبيراً في مجال تمكين الشباب والمشاريع الرقمية المصاحبة
لنهضته ولم يكتف بأن يكون المتلقي لها بل اصبح بعقول ابناءه من الشباب
الصانع والمصمم لها على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية، اما قضية
فلسطين وشعبها في نيل حقوقهم فهي الخط الموازي العظيم لجهد بناء الوطن
والذي اثمر عن اعتراف كبير بحق الفلسطينيين بدولتهم في ظل جهود فضح عدوان
المحتل واجرامه والسقوط المدوي لسرديته الكاذبة أمام الجميع.
الأردن
الحالي نبشرك يا ابا عبدالله بحمد الله بخير مع قوة الانجازات ورغم عظم
التحديات، الأردن الذي بتاريخه لم تزده المصاعب والمؤامرات الا تأكيداً على
اهمية البناء والتنمية ليكون قراره الوطني من فكر أبنائه ومصلحة وطنهم،
ولم تزده ايضاً هذه المصاعب والمؤامرات الا قناعةً ان جهده في دعم قضية
فلسطين واهلها هو قوة له ووقاية امام عدو يضعه في ظل طغمته المتطرفة في قلب
مزاعمه التوراتية، رحم الله الحسين وحفظ الله ابا الحسين في وطن اساسه صون
الدستور ودوام العطاء.
ــ الدستور