حسام عايش : تجارة بالالزام.. ماذا نفعل؟
حسام عايش
رغم ان نسبة الرسوم الجمركية المعلنة على صادرات الاردن للسوق الاميركي 20 %، الا اننا لا نعلم حتى الان، وقبل يوم واحد فقط من الاول من اب عن النسبة النهائية لتلك الرسوم. هل ستظل كما هي، ام سيتم تخفيضها الى 15 % او حتى 10 %؟ اذ ان لكل نسبة كلفتها وتداعياتها على تنافسية صادراتنا في السوق الاميركية والتي شكلت نحو 24 % من اجمالي الصادرات الوطنية كما في نهاية ايار الماضي.
اخذا بالاعتبار، ان صادرتنا الى اميركا ومستورداتنا منها ارتفعت لاول خمسة شهور من 2025 بنسبة 2.4% عن الفترة نفسها من عام 2024 للاولى مع فائض 251 مليون دينار، وارتفعت 22.4% للثانية لكن مقابل فائض في صادرتنا 346 مليون دينار للشهور الخمسة الاولى من عام 2024 – اي ان الفائض انخفض 95 مليون دينار للخمسة اشهر الاولى من 2025 مقابل الفترة نفسها 2024-
نقول ذلك، بعد ان وقعت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي اتفاقا شمل فرض رسوم جمركية بنسبة 15 % على العديد من السلع الاوروبية، وهو اتفاق يضاف الى خمسة اتفاقيات سابقة مماثلة وقعتها واشنطن مع بريطانيا واليابان واندونيسيا والفلبين وفيتنام، حيث تراوحت نسب الرسوم الجمركية فيها بين 10 % على بريطانيا و20 % على فيتنام.
الاتفاقيات اعلاه، تظهر انها وقعت بالاجبار، ولم تناقش من منظور تأثيرها على المستهلك او العامل او المنتج الصغير، بل كادوات استراتيجية تهدف الى مواجهة الصين والاسواق الناشئة، والى تكريس تحول جوهري في لغة الاقتصاد العالمي من الانفتاح الى الحمائية، ومن العولمة الى الاقلمة، ومن التجارة الى الصفقات.
ما يعني، ان التجارة الحرة لم تعد حرة، وان الاتفقات التجارية لم تعد ناتجة عن تفاوض متكافئ بل تفرض شروطها، وتحدد نسبها، وتدار بلغة الالزام لا الشراكة، والنتيجة، مشهد اقتصادي عالمي لم تعد تحكمه قوانين التجارة، بل مراكز القوة، ما حول العولمة الى اداة لاستثمار الرسوم الجمركية، والسيطرة على حركة التجارة، بحيث باتت ادوات السياسة الاقتصادية موجهة بشكل رئيس لدعم الاسواق المالية، وتحفيز حركة الرساميل، لا لتحسين حياة الناس.
حتى المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لم تعد تقيم الدول على اساس قدرتها على تحقيق النمو، او تحسين ظروف المعيشة، بل على اساس الاستدامة المالية، والتصنيفات الائتمانية، ومعايير الديون، بحيث اصبحت شروط القروض تركز على تقليص الانفاق، ورفع الدعم، وخصخصة الخدمات، بدلا من الاستثمار في الانسان.
اكثر من ذلك، اخذ استخدام الاقتصاد كسلاح جيوسياسي اشكالا اكثر وضوحا، ففي عام 2024 وحده فرضت الدول الغربية اكثر من 16 الف عقوبة مالية شملت تجميد اصول، وفرض قيود على التحويلات البنكية، ومنع تصدير التكنولوجيا، بما حول الدولار الى اداة ابتزاز، والعقوبات الى وسيلة ضغط سياسي، والعولمة الى الية للهيمنة بدلا من ان تكون اطارا للتعاون.
تستدعي هذه التحولات- التي قد تكون فرصة ايضا- تكيفا اكبر مع واقع جديد يقوم على اعلاء المصالح الوطنية، عبر اعادة النظر في البنية الاقتصادية الداخلية لمواجهة المتغيرات الخارجية، وتطوير منتجات وطنية ذات جودة عاية وقيمة مضافة استراتيجية، بحيث تنتقل في تنافسيتها من التركيز على السعر فقط الى التركيز على الجودة والحاجة لها، بما يجعل الاقتصادات اكثر استقلالا وقدرة على التكيف في وجه السياسات التجارية المتقلبة والصفقات المفاجئة ولغة الاكراه الاقتصادي.
بالنسبة للاردن، يتطلب تعزيز علاقاته التجارية اعادة تموضع ذكي يقوم على المرونة والتنوع، وتوسيع قاعدة الشراكات مع اسواق بديلة، والاستثمار في قطاعات واعدة قادرة على النمو والتطور حتى مع تقلبات السياسات العالمية- تكنولوجيا المعلومات، الادوية، الطاقة المتجددة، - لمواجهة واقع تجاري لن يكون مبنيا على اساس تفضيلات السوق وحدها، بل على اساس ادارة المخاطر، وحسن القراءة الجيوسياسية، والاستباقية، ومرونة التكيف