الساكت: الجولات الميدانية تميز عمل الحكومة وتكشف مواطن الخلل
عمان – نيفين العياصرة
دعا الخبير الاقتصادي، عضو غرفة صناعة عمان، المهندس موسى الساكت، إلى تعاون أكبر بين الحكومة والقطاع الخاص لتنفيذ مضامين رؤية التحديث الاقتصادي.
وقال الساكت، في حوار مع «على طاولة الدستور» عبر «بودكاست الدستور»، إن عدم استقرار التشريعات والقوانين الناظمة المختلفة يسبب إرباكا للقطاعات الاقتصادية، منتقدا السياسات الضريبية «غير العادلة».
وشدد على ضرورة تأطير الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومأسستها، لافتا إلى وجود بيروقراطية معقدة، وإجراءات إدارية غير واضحة.
وأكد الساكت أن حل مشكلة البطالة يستدعي مواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل، موضحا أن «المهارات أهم من الشهادات».
وعن أداء حكومة الدكتور جعفر حسان قال الساكت إن ما يميز الحكومة هو الجولات الميدانية التي تكشف مواطن الخلل، مشددا على أهمية المتابعة والتنفيذ على أرض الواقع من قبل الوزارات والجهات المختلفة.
وتاليا أبرز ما جاء في الحوار..
== «الدستور»: أنت من أكثر الأشخاص المتفائلين بالتحديث الاقتصادي.. هل أنت راض اليوم عن الأرقام ونسب ما تحقق في المبادرات والإنجازات ضنت رؤية التحديث الاقتصادي؟
** الساكت: لا يوجد شخص قرأ محاور رؤية التحديث الاقتصادي إلا وكان مسرورا جداً بما تضمنت من محاور عديدة تطرقت إلى تفاصيل الأمور، وهي عبارة عن وجهة اقتصادية وخارطة طريق.
الأهم من رؤية التحديث الاقتصادي أن نأخذ هذه الوجهة وأن تتفهم الحكومة أنه لا بد أن يكون هناك خطط واستراتيجيات للوصول إلى هذا الهدف. هذه المحاور لا نستطيع الوصول إلى تحقيقها دون خطة استراتيجية، ودون تعاون كبير ما بين الوزارات المختلفة، وتعاون أكبر ما بين الحكومة والقطاع الخاص.
اليوم دخلنا السنة الرابعة بعد إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي من جلالة الملك وأنا تشرفت أنني عملت على محور الصناعة. اليوم لا نرى تحقيقا لهذه الأرقام، وهناك أسباب كثيرة منها تشتت القطاع الخاص، وعدم استقرار التشريعات.
رأينا على سبيل المثال موضوع جمارك السيارات، هذا أحد أهم الأسباب في عدم استقرار التشريعات والقوانين الناظمة المختلفة، فهذه سببت إرباكا، مع أنها يجب أن تكون مستقرة، لا أن تأتي حكومة وأن تصحح هذا الخطأ. هذا الخطأ أثار عبئا اقتصاديا كبيرا على المستثمرين في هذا القطاع، فهذا أحد الأسباب.
وعلى سبيل المثال أيضاً قوانين الاستثمار المختلفة، اليوم خلال 7-8 سنوات تغيرت أكثر من مرة، فلذلك هناك عدم استقرار في هذه التشريعات وهذه القوانين، وعدم وجود بوصلة أيضاً للقطاع الخاص، ولدينا نقابات كثيرة وغرف صناعة وتجارة، ونحن كقطاع خاص والقوانين الناظمة للقطاع الخاص لم تتوحد، لأن العبء ليس فقط على الحكومة، الحكومة مطالبة بتحديث تشريعاتها المختلفة ولكن أيضاً القطاعات الاقتصادية مطالبة بتحديث قوانينها الناظمة، فهذه الشراكة طويلة الأمد، تحقق النجاح في رؤية التحديث الاقتصادي، وبغيابها لن نستطيع الوصول إلى مخرجات وأهداف رؤية التحديث الاقتصادي.
== «الدستور»: نسمع كثيرا من المسؤولين يتحدثون عن أنهم يعززون الشراكة مع القطاع الخاص، وأنت قلت إن هذه من أهم النقاط حتى نحقق التحديث الاقتصادي.. كيف ترى ذلك على الأرض؟
** الساكت: هناك مبادرات ولجان مشتركة، وأنا لا أقول إن اللجان المشتركة عبارة عن تشاركية، فالتشاركية هي في صنع القرار لا أن تكون في لجنة من لجان الحكومة المختلفة.
إذا عدت سنوات إلى الوراء، وإلى قانون الاستثمار تحديداً، بعد أن خرجت المسودة الأولى لقانون الاستثمار الجديد عرض على القطاع الخاص، هل هذه شراكة؟ بالطبع لا.. لا بد من تأطير ومأسسة مفهوم الشراكة حتى يكون هناك لغة مشتركة، ففيما يتعلق بقوانين الضريبة والجمارك والاستثمار لا بد من الجلوس من اليوم الأول على الطاولة، أن يجلس القطاع العام مع القطاع الخاص من الصفحة الأولى وأن تتم صياغة هذه القوانين بالتشاركية، لا أن تعرض هذه القوانين وهذه الأنظمة وهذه التعليمات على القطاع الخاص تباعاً بعد الوصول إلى المسودة الأولى لها.. هنا باعتقادي تكمن المشكلة.
== «الدستور»: تتحدث اليوم عن قانون الاستثمار، أنت كاقتصادي معروف تعمل في القطاع الخاص، وأيضاً على علم ومعرفة بالعمل الحكومي.. ما هي أبرز المعيقات التي يواجهها المستثمر في قانون الاستثمار الجديد؟
** الساكت: أقولها بكل صراحة ووضوح، المستثمر يبحث عن قوانين جيدة بقدر ما يبحث عن تنفيذ لهذه القوانين على أرض الواقع. اليوم لدينا بيروقراطية معقدة، ولدينا إجراءات إدارية غير واضحة، ولدينا تعقيد إداري كبير.
== «الدستور»: كيف يمكن أن نحل هذه المشكلة، لأننا نتحدث عن الاستثمار، والاستثمار نقطة مهمة في التحديث الاقتصادي؟
** الساكت: كثير من الأمور منها ما تسمى المقصلة التشريعية، بمعنى أنني كمستثمر لدي مشكلة في وزارتين على سبيل المثال، لا بد أن أذهب إلى كل وزارة وأحل الموضوع مع كل وزير أو مع كل أمين عام أو مع كل دائرة في تلك الوزارة، علماً أنه لا بد أن أذهب إلى النافذة الاستثمارية التي تم الترويج لها وهم من يحلون المشكلة لي، فأنا أريد نافذة حقيقية وليست صورية. هذه أهم الأسباب.
سبب آخر مهم، اليوم يأتي القانون، ويصبح هناك بحث مع القطاع الخاص، متأخراً، ومن ثم يتم عرضه على مجلس النواب ويصبح قانوناً. الأنظمة والتعليمات التي تصدر من هذا القانون تصدر فقط من تلك الوزارة، لذلك هنا أيضاً يكمن الخلل الكبير، فاليوم تفسير القانون إلى أنظمة وتعليمات في الوزارة دون استشارة أي جهة خارجية يزيد في التعقيدات الإدارية.
== «الدستور»: عندما نتحدث عن الاستثمار نتحدث عن توفير فرص عمل للشباب الأردني.. برأيك كخبير اقتصادي ماذا يمكننا فعلياً أن نفعل لحل مشكلة البطالة في الأردن؟
** الساكت: حل مشكلة البطالة خلال الأشهر القادمة صعب، وخلال السنوات القليلة القادمة صعب، ما لم يكون هناك مواءمة لمخرجات التعليم مع سوق العمل.. لدينا في الأردن ما يسمى بالبطالة الهيكلية، وهي عدم مواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل، فنحن نخرّج عاطلين عن العمل، فلذلك من دون أن يكون هناك تحديث مستمر لمناهجنا التعليمية لتواكب التحول الرقمي باعتقادي لن يكون هناك استحداث للوظائف.. المناهج يجب أن تكون مرنة، خارطة الطريق التعليمية يجب أن تكون مرنة، اليوم –وهذه أقولها دائماً وأبداً- المهارات أهم من الشهادات.
== «الدستور»: أي أنك تذهب لمنحنى التدريب المهني؟
** الساكت: بالتأكيد، اليوم التدريب المهني ما زال قاصراً، كل شيء متمركز في العاصمة عمان، وربما في بعض المدن الكبيرة مثل الزرقاء وإربد، ولكن ما دون ذلك هناك نسبة بطالة مرتفعة، فليس غريبا أن هناك نسبة بطالة مرتفعة في الأطراف، لأن التعليم ضعيف، أيضاً البنية التحتية الرقمية ضعيفة، وأيضاً المناهج التعليمية أو التدريبية أو التدريب المهني قاصرة.
كما تحدثنا عن مستهدفات الاستثمار، نتحدث أيضاً عن مستهدفات التوظيف، إذا لم يكن هناك استثمار يواكب مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي، ولم يكن هناك تطور في العلاقة بين القطاعين العام والخاص، وأيضاً الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص، لا يمكن أن يكون هناك استحداث للوظائف.
مرة أخرى، اليوم نتحدث عن 100 ألف وظيفة، كيف لنا أن نوظف هؤلاء وأقل المهارات غير موجودة لدى هؤلاء الخريجين. اتفقنا بأن المهارة مهمة في البحث عن العمل أو إيجاد فرصة وظيفية، لذلك مع عدم وجود هذه المهارات كيف لي أن أصل إلى 100 ألف وظيفة سنوياً، ومليون وظيفة في نهاية 2033.. هذا صعب جداً.
عندما نقول إن رؤية التحديث الاقتصادي هي وجهة اقتصادية، كيف لي أن أصل إلى هذه الوجهة؟ بالأدوات، ما هي الأدوات؟ باستقرار التشريعات، زيادة الاستثمار، التدريب المهني، الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص، تحديث القوانين الناظمة للقطاع الخاص، توحيد من يمثلون القطاعات الاقتصادية مثل غرف الصناعة وغرف التجارة، لذلك هذه كلها شروط للوصول إلى مستهدفات الرؤية الاقتصادية.
== «الدستور»: كيف تنظر إلى أداء حكومة الدكتور جعفر حسان؟ وما الذي يميزها عن الحكومات السابقة؟
** الساكت: ما يميز هذه الحكومة هو هذه الجولات الميدانية، لأنك لا تستطيع أن تصل إلى مواطن الخلل إلا بوجود هذه الزيارات الميدانية، ولكن يجب أن يتبعها تنفيذ على أرض الواقع من الوزارات ومن الجهات المختلفة ومن المحافظات ..الخ، فلا بد أن يكون هناك دائماً وأبداً حلول شاملة وحلول تعتمد وتستند إلى خطة.
== «الدستور»: نريد الذهاب إلى المهنة التي تحبها، وإلى قطاع أنت أثرت فيه، وهو القطاع الصناعي. ماذا يقول الواقع عن حجم القطاع الصناعي وارتفاع الصادرات وأثر ذلك على الاقتصاد الأردني؟
** الساكت: يجب دائماً وأبداً أن ندقق في الأرقام قبل أن نتحدث عن ارتفاع أو انخفاض، بمعنى أن هناك ارتفاعا في الصادرات، وهذا ارتفاع جيد، لكن لا بد أن تستمر هذه الأرقام، فإذا كان الربع الأول من أي عام أو حتى النصف الأول من أي عام به ارتفاع وكان غير مستمر فإننا نعود للمربع الأول، فهل هذا الارتفاع سيكون مستمرا؟ لا بد أن يكون هناك تحفيز للقطاع الصناعي والقطاعات الاقتصادية حتى تستمر هذه النجاحات.
ثانياً إذا ما قورنت كلف الإنتاج مع البلدان المجاورة، ما زالت كلف الإنتاج مرتفعة نسبياً. تنافسية المنتج الوطني ما زالت على المحك، لذلك إذا حققنا اليوم ارتفاعا في جزء من العام فهذا الارتفاع لا نراه مستمراً، وهذه الشواهد من السنوات الماضية، فعلى سبيل المثال في عام 2023 زادت الصادرات في الربع الأخير ولكن عاودت وانخفضت في الربع الأول من عام 2024، فالمهم أن نبحث كيف يمكن أن يستمر هذا الارتفاع.
== «الدستور»: كخبير اقتصادي، هل السياسات الضريبية عادلة وتدعم الفئات المنتجة، أم هي عبء على الطبقة الفقيرة؟
** الساكت: سياساتنا الضريبية تعاقب الإنتاج بشكل عام، والسبب أن هناك عدم عدالة في ضريبة المبيعات، فهي حتى الآن غير تصاعدية. اليوم أكثر من يعاني من هذه الأعباء الضريبية هي الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة، لأننا إذا قمنا بشراء سلعة وكان راتب شخص أكثر من راتب الآخر فلذلك العبء الضريبي علي كراتب أقل من نسبة الـ16 بالمائة أكثر بكثير من الذي يحصل على راتب أعلى، لذلك كلما قل الراتب زاد عبء ضريبة المبيعات، وهذا باعتقادي مربط الفرس فيما يتعلق بالقوى الشرائية، ومربط الفرس فيما يتعلق بكفاءة الإنتاج، فلا بد أن يكون هناك إعادة نظر في ضريبة المبيعات تحديداً.
الأمر الآخر أنه لا توجد دولة في العالم تعتمد في إيراد الخزينة تحديداً على ضريبة المبيعات. يجب أن تعتمد على ضريبة الدخل. ضريبة الدخل لا تشكل أكثر من 25 بالمائة من حجم الإيراد الضريبي، بينما النسبة الأكبر تأتي من ضريبة المبيعات التي هي غير عادلة وغير تصاعدية ولا تحفز. باعتقادي، لا بد أن يكون هناك إعادة هيكلة للضريبة إذا أردنا أن نحافظ على النمو الاقتصادي وزيادته. ــ الدستور