الأخبار

لما جمال العبسه : رصاص المساعدات ومقتلة «غزة» مقابل «صفقة ويتكوف»

لما جمال العبسه : رصاص المساعدات ومقتلة «غزة» مقابل «صفقة ويتكوف»
أخبارنا :  

منذ اليوم الأول يصدر ترامب قدرته على إنهاء الحروب والنزاعات العالمية، لكن بقيت الحرب الفاشية الدائرة في قطاع غزة هي العائق امامه، وعاد اليها مرة اخرى لكن هذه المرة بسعي محموم لإبرام صفقة مدفوعة ليست فقط باعتبارات داخلية، بل مرتبطة بمشروع أوسع وهو استكمال اتفاقات أبراهام، التي تمثل رؤية ترامب الإقليمية التي تؤسس لتحالف «سلام اقتصادي» في الشرق الأوسط يتجاوز القضية الفلسطينية تماما، ويأتي على مقاس مصالحه ومصالح حليفه رئيس حكومة الكيان الصهيوني الفاشي بنيامين نتنياهو، ويُعيد تعريف العدو من «الاحتلال الإسرائيلي» إلى «التطرف الإسلامي» بحسب رأيهما، في تماهٍ كامل مع سرديات نتنياهو الذي شارك في صياغة شروط الصفقة بما يتناسب معه.
أكثر من ذلك، يشير اختيار ستيف ويتكوف كمبعوث للصفقة إلى نيّة مسبقة بأن تكون صفقة من خارج الدبلوماسية التقليدية، أقرب إلى مساومة تجارية منها لحل سياسي، بمعنى مساعدات انسانية مقابل تهدئة، لا حقوق مقابل سلام، علما بأن هذه الإدارة ومبعوثها تتجاهل تماما قتل الفلسطينيين عند نقاط توزيع المساعدات برصاص الجنود الصهاينة المأمورين من قادتهم، وبإشراف الشركة الأميركية التي من المفترض أنها إنسانية، وهذا المشهد يكشف ما هو أبعد من الإهمال، ليصل الى تواطؤ منظّم يُجهض أي حديث عن السلام.
فهل يمكن الحديث عن مفاوضات حقيقية في ظل هذا الإخلال الفاضح بتوازن القوى؟ وهل تُستخدم الصفقة كأداة لإعادة إنتاج منظومة التطبيع، ولكن هذه المرة بثوب «إنساني» مزيّف تُخفيه المجازر اليومية الدائرة في القطاع؟
في مفارقة صارخة، قد يرفض نتنياهو الصفقة التي شارك بنفسه في صياغتها، هذا ليس تناقضا بقدر ما هو استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تعتمد طرح الشروط، ثم التشكيك في التنفيذ، فاستثمار الوقت لاستكمال أهداف نتنياهو المتمثلة في إخضاع القطاع لسلطة الاحتلال ونزع سلاح المقاومة وطرد قادتهم خارج القطاع وإعادة هندسة مشهدها السياسي، مستندا بالطبع الى الموافقة الأمريكية على كل ما يصدر عنه، بالتالي حُكم على هذه المفاوضات التي لم تبدأ بعد بالفشل كسابقاتها في ظل شروط لا يقبلها الشعب الفلسطيني الرافض لاستسلام مشروط والراغب في اتفاق متوازن.
من المؤكد ان التسويات السياسية في غزة لا تُصنع في قاعات تفاوض عادلة، بل على وقع المجازر والتجويع المُمنهج، وبينما يُسوّق ترامب «صفقة ويتكوف» كمدخل لإنهاء الحرب، تتكشف خيوط مشروع أوسع متمثل في إخضاع غزة رمزيا كما عسكريا، وتقليم أظافر القضية الفلسطينية حتى تفقد كل قدرة لها على إزعاج السردية الإسرائيلية المدعومة أميركيا.
ما يُطرح ليس صفقة سلام، بل صفقة «إدارة صمت»، صمت السلاح، صمت الإعلام، وصمت الذاكرة الجمعية، وفي ظل اختلال موازين القوة وتواطؤ عالمي، يبدو أن ما يُراد تمريره ليس فقط هدنة، بل إعلان موت بطيء لقضية عمرها أكثر من سبعة عقود.
لكن تبقى الحقيقة التي لا صفقة تمحوها والمتمثلة في ان لا سلام يُولد من رحم الإجبار والاستسلام بقوة النار، ولا شرعية تنبثق من دماء الجائعين، فكل محاولة لتصفية القضية باسم الاستقرار، ستبقى هشة أمام شعب ما زال يُقاوم، وإن بصمت، كي لا يُنسى.

مواضيع قد تهمك