الأخبار

د. محمد العرب : الفيروسات الذكية والحرب الصامتة القادمة

د. محمد العرب : الفيروسات الذكية والحرب الصامتة القادمة
أخبارنا :  

في عالم ما بعد الجيوش، حيث لا تطرق الحروب أبواب المدن بدبابات، وحيث لا تعلن الدول عن خصومتها عبر بيانات أو إنذارات، يظهر سلاح جديد، أكثر خبثاً، أكثر نظافة، وأشد فتكاً سلاح لا يدوّي، بل ينتشر ، لا يُرى، بل يُستنشق ، لا يميّز بالبزات العسكرية، بل يختار ضحاياه بناءً على تركيبتهم الجينية !
إنه السلاح الذي لا يُطلق من فوهة بندقية، بل من أنبوب اختبار في مختبر تحت الأرض، أو في مركز أبحاث (مدني) عالي التمويل، أو في منشأة زُرعت في مكان لا يعرفه أحد سلاح اسمه: الفيروسات الذكية.
خلال العقدين الأخيرين، تغيّرت أولويات بعض القوى الكبرى في العالم من سباقات التسلح التقليدية إلى سباقات صامتة، تقوم على اختبارات فيروسات معدّلة جينياً، تمتلك خصائص هجومية دون أن يُشار إليها كسلاح ، والحجة دائماً جاهزة: نحن نبحث في الوقاية، في تطوير الطب، في فهم التهديدات المحتملة ولكن تحت هذه العبارات، يجري تمويل مشاريع غامضة تتعامل مع سيناريوهات لا تمت بصلة للدفاع بل للهجوم الوقائي، بلغة ما بعد الحروب.
الفيروسات الذكية ليست مجرد أمراض مطوّرة في المختبرات ، إنها أدوات صُممت لتفهم أهدافها. تُبرمج لتُميّز بين السكان بناءً على الجينوم، أو الطائفة، أو العِرق، أو حتى الخصائص النفسية وهناك من يتحدث عن جيل ثالث من هذه الفيروسات يتم حقنه سرياً في مواد استهلاكية، أو يُطلق عبر سحب هوائية في مناطق محددة، لتصيب من يحمل سمات بيولوجية مستهدفة، وتترك البقية بلا ضرر. نحن لا نتحدث هنا عن سيناريوهات خيال علمي ، بل عن مشاريع خضعت لبعضها لجلسات تحقيق في برلمانات عالمية، قبل أن يتم إسكاتها تحت عناوين (الأمن القومي) !
القوى الكبرى، وأبرزها الولايات المتحدة والصين وروسيا، تموّل منذ سنوات أبحاثاً تحت ما يُعرف بمصطلح (Gain-of-Function) أي تجارب منح الفيروسات خصائص جديدة لا تملكها طبيعياً والهدف المُعلن هو دراسة مدى خطورتها إذا تطورت تلقائياً..!
لكن الهدف الفعلي قد يكون أبعد من ذلك بكثير: اختبار مدى دقة السيطرة على الفيروس، ومدى القدرة على برمجته ليكون سلاحاً يُطلق ثم يُسحب أو لا يُسحب.
التقارير المسربة من مختبرات سرية في مناطق نائية من سيبيريا، ومن قواعد بحثية غير رسمية في أفريقيا الوسطى، وحتى من مقار بحث علمي مدني في أوروبا الشرقية، تشير إلى تجارب على فيروسات قادرة على البقاء كامنة لسنوات، ثم تُفعل تحت ظروف معينة، أو تُحرّض بالحرارة، أو بالمواد الكيميائية، أو حتى بالضوء. وبعضها قادر على التحوّل الذاتي لتجنّب الكشف، أو التحايل على منظومة المناعة الطبيعية في الجسم.
الجانب الأكثر رعباً أن بعض هذه الفيروسات، بحسب تقارير استخباراتية غربية، يُزوَّد بقدرات (توجيه إدراكي) أي التأثير على مراكز محددة في الدماغ، لتغيير المزاج العام، أو تفكيك القدرة على التركيز، أو إشاعة القلق والتشويش الذهني الجماعي ؟
بمعنى آخر: إصابة الشعوب باضطراب نفسي مُعدٍ دون الحاجة لأي خطاب إعلامي ، فقط إطلاق الفيروس في الهواء وترك البشر ينزلقون إلى متاهة ذاتية من القلق واللامعنى.
في سيناريو مستقبلي محتمل، قد نشهد إطلاق فيروس ذكي في مدينة محورية لبلدٍ منافس. لا يموت الناس على الفور، بل يُصابون بمتلازمة فقدان الانتباه، يرتفع معدل الغياب عن العمل، تتفكك الإنتاجية، ترتفع حالات الطلاق، يزيد السلوك العدواني، دون أن يعرف أحد السبب. تبحث السلطات عن حلول اقتصادية، نفسية، روحية بينما الفيروس ينخر في مفاصل الدولة من الداخل، بهدوء كامل.
وفي سيناريو آخر، يُزرع فيروس جيني في منطقة محددة، يُبرمج لاستهداف فقط من يمتلك نمطاً وراثياً شائعاً في جماعة عرقية أو إثنية معينة، فيُحدث موجة أمراض غريبة تظهر كأنها وباء طبيعي، بينما الحقيقة أنها تصفية منظمة، بلا إطلاق رصاصة واحدة ، من يسيطر على هذه التقنية، لا يحتاج إلى جيش، ولا إلى احتلال، بل فقط إلى مفتاح برمجي وجغرافيا الهدف.
الأخطر أن هذه الأسلحة، بعكس النووية والأسلحة الفتاكة ، لا تترك آثاراً واضحة تدين من أطلقها. بل إن الدول المستهدفة قد تظن أنها ضحية ظرف بيئي، أو تحور طبيعي، أو خلل داخلي في الصحة العامة. إنها حرب بدون إعلان، بدون صور أقمار صناعية، بدون طائرات أو مدافع. لكنها حرب تُعيد تعريف مفهوم الأمن القومي بالكامل.
كل المؤشرات تقول إن العقود القادمة لن تُعرف بالحروب التقليدية، بل بـ (عصر التفكك الصامت) ، دول تنهار من الداخل دون أن تُغزَى، شعوب تنهكها أمراض لا تُشخّص، وقطاعات كاملة تنهار بسبب متلازمات لا يُعرف لها تفسير عضوي. والفاعل؟ فيروس ذكي، خرج من أنبوب في قبو مغلق، وحمل في رمزه الوراثي قرارًا بإنهاء مجتمعٍ كامل.
قد يظن البعض أن هذا تهويل. لكنه تهويل مأخوذ من تقارير واقعية. ما خفيَ من مشاريع الهندسة البيولوجية أضعاف ما أُعلن، وما تم تجريبه في مناطق الصراع قد لا يظهر إلا بعد سنوات. وفي حين أن الدول تتحدث عن السلام والتعاون العلمي، فإن جيوشاً خفية تُموّل أبحاثاً لاختراع أمراض مصممة، تُطلق على مراحل، وتُبرمج بدقة.
ويبقى السؤال الأخطر ليس: من يملك هذه الأسلحة؟ بل: من يملك أخلاقيات عدم استخدامها؟ وإذا فقد العالم هذا الكبح الأخلاقي، فإن الفيروس القادم لن يأتي بإنذار، بل بدفءٍ غير متوقع، وهدوءٍ قاتل، وزمنٍ لا تُرفع فيه رايات، بل تُخفض فيه القدرات باسم العلم.

مواضيع قد تهمك