الأخبار

نضال الثبيتات العمرو يكتب : رئيس من ثوبنا..

نضال الثبيتات العمرو يكتب : رئيس من ثوبنا..
أخبارنا :  

نضال الثبيتات العمرو..

اليوم؛ رئاسة الدوار الرابع تخفض جناحها للأردنيين، تلامسُ الأرضَ وتجس نبضُ الواقع الأردني، أراها تتشكلُ أمام أعيننا، تتجاوزُ بريقَ المناصبِ وزخرفَ البروتوكولات لتلتصقَ بهمومِ الناسِ وتطلعاتهم؛ صورةُ رئيسِ الوزراء الدكتور جعفر حسان وهو يُباشرُ إصلاحَ إطارِ مركبتهِ بنفسهِ في أحدِ شوارعِ العاصمة ليست مجردَ لقطةٍ عابرة، بل هي اختزالٌ مكثفٌ لتنفيذ فلسفةِ حكمٍ ترفضُ الأبراجَ العاجيةَ وتختارُ الميدانَ مسرحاً للعملِ والإنجاز؛ ليتك التقطت هذا المشهدُ يا صديقي؛ فهو يشي بشخصيةٍ لا تجيدُ لغةَ التملقِ ولا تأبهُ بالفخفخةِ المصطنعة، قائدٌ يرى في القربِ من المواطنِ جوهرَ المسؤوليةِ ومعناها الحقيقي.

لم تكن صورة عابرة، بل رسالة صادقة نُقشت في ذاكرة ذلك الشارع؛ الجمعة قبل الماضية، رئيس وزراء الأردن، الدكتور جعفر حسان، يُشاهد وهو يبدّل إطار مركبته بنفسه؛ حدث بسيط، مألوف لعشرات الآلاف يومياً، لكنه يصبح لافتاً عندما يكون الفاعل هو رئيس الحكومة؛ في هذه اللحظة العادية، تجسّدت غير العادية في شخصية لا تعرف التكلّف، لا تلهث وراء المظاهر؛ رجلٌ من الميدان، لا يرتاح للمجاملات الفارغة، ولا يجد حرجاً في أن يمارس بنفسه ما يمارسه الناس.

منذ أن تولى الدكتور حسان رئاسة الوزراء، اتخذت قراراته مساراً واضحاً؛ الانحياز؛ نعم انحيازٌ للمواطن في المحافظات كافة، للأطراف التي طالما تذمّرت من الإهمال، للفقراء والطبقة المتوسطة التي تشكل عصب المجتمع وعماده؛ إنه إيمان راسخ بأن الأردن لا يُختزل في العاصمة، بل هو عمق كل قرية ومدينة ووادٍ؛ هذا هو السر الذي يدفعه ليس فقط إلى اتخاذ القرارات، بل إلى النزول بنفسه، متحملاً مشاق الطريق، للتحقق من قيام المسؤولين بواجباتهم على الأرض؛ إنه نهج لا يعرف الترف المكتبي.

نهجُ يستمدُ قوتهُ من انحيازٍ أصيلٍ وغيرِ مشروطٍ للمواطنِ العادي، للقرى التي طالها النسيانُ، وللطبقاتِ الكادحة التي تحملت عبءَ الأزماتِ المتعاقبةِ بصبرٍ وجلد؛ رجل يتجه بثباتٍ نحو تحقيقِ عدالةٍ تنمويةٍ طال انتظارها، تجسيداً أميناً لرؤيةٍ ملكيةٍ ساميةٍ تؤكدُ دوماً أن الأردنَ أكبرُ من عاصمتهِ، وأن خدمةَ الإنسانِ هي الغايةُ الأسمى؛ إيمانُهُ العميقُ بأن الوطنَ نسيجٌ واحدٌ يدفعهُ للتحققِ شخصياً من وصولِ الخدماتِ وجديةِ الأداءِ في أقصى نقاطِ المملكة، مُرسياً بذلك معاييرَ جديدةً للمساءلةِ والالتزامِ لدى المسؤولين، حيث لا مجالَ للتراخي أو للاكتفاءِ بالتقاريرِ المكتبيةِ الباهتة.

لطالما احتاج الاردن إلى هذا النمطِ من العمليات التنفيذية المشتبكة شعبياً؛ بعيداً عن البرجوازية، نمطٌ يدركُ أن قوةَ الدولةِ الحقيقيةَ تكمنُ في تماسكِ نسيجها الاجتماعي وخدمة مواطنها العادي في عدالةِ توزيعِ ثمارِ التنمية ومكتسباتها؛ نهجُ الانحيازِ للناسِ وخدمتهم ليس مجردَ شعارٍ يُرفع، بل هو ممارسةٌ يوميةٌ تسعى لضبطِ إيقاعِ الأداءِ الحكومي وتوجيههِ نحو المواطنِ أولاً وأخيراً؛ العملُ الدؤوبُ لخدمةِ كافةِ شرائحِ المجتمعِ يترافقُ مع تركيزٍ خاصٍ على الطبقةِ العامة، الأغلبيةُ التي تشكلُ عمادَ الاستقرارِ والنهضة؛ هذا الانحياز الصريح للهموم اليومية للناس، لم يأتِ من فراغ؛ إنه تجسيد عملي لإرادة القيادة الهاشمية، ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، التي تضع المواطن في صلب أولوياتها؛ إنها رغبة واضحة في وجود مسؤولين يعيشون هموم الشارع؛ نعم، الأردن، في هذه المرحلة الدقيقة، يحتاج إلى رئيس وزراء كهذا؛ شعبيّ الملمس، غير أرستقراطي النّزعة، يمسك بملفاته بيد عاملة لا تتردد؛ الدكتور حسان، بسيرته الميدانية وتواضعه المعهود، يجسد هذه الحاجة.

فعند متابعة مسار حكومته خلال المئة يوم الأولى نكتشف التركيز الصارم، على الإصلاح الهيكلي؛ حيث هيمنت قرارات التنمية والخدمات (25%) وتحديث القطاع العام (22%) على جدول الأعمال، نعم تراجعت نسبياً أولويات ملتهبة كالقطاع الاجتماعي (3%) والطاقة (5%) – وهو اختلال في التوازن قد يثقل كاهل المواطن مع استمرار الأزمات المعيشية إذا لم يُعالج؛ لكن نشاطه الميداني المكثف (16 جولة شملت 47 مرفقاً) ليس استعراضاً، بل منهج عمل؛ زياراته المستمرة للمستشفيات والمدارس ومراكز الخدمات تربط بوضوح بين معاناة المواطن المباشرة ومحاور الرؤية الاقتصادية، خاصة تحسين نوعية الحياة (17 جولة) ودعم الصناعات المتقدمة (6 زيارات)؛ فهي تعكسُ إصراراً على معالجةِ الملفاتِ الشائكةِ كالصحةِ والتعليمِ بشكلٍ مباشر؛ لكن هذا الزخم المشهود، رغم أهميته، يبقى رهيناً بقدرة الحكومة على ترجمته إلى نتائج ملموسة وحلول تُخفف الأعباء عن كاهل الفقراء والطبقة المتوسطة، المستهدفة أصلاً بقراراته.

ضمنَ هذا الإطار، يبرزُ سعيُ الدكتور حسان لاستعادةِ الدورِ المحوري للدولةِ في قطاعي الصحةِ والتعليم، بعدَ سنواتٍ من الانحسارِ لصالحِ اعتباراتٍ أخرى، في محاولةٍ جادةٍ لإعادةِ التوازنِ بما يخدمُ مصلحةَ المواطنِ أولاً؛ هو لا يبتكرُ نهجاً جديداً بقدرِ ما يعيدُ إحياءَ قيمِ مدرسةِ الفكرِ الهاشمي القائمةِ على خدمةِ الشعبِ وتلبيةِ احتياجاتهِ؛ رسالتهُ للمسؤولين تتجاوزُ التوجيهاتِ الرسمية، لتصبحَ نموذجاً يُحتذى في التواضعِ أمامَ الناسِ والصرامةِ في محاسبةِ المقصرين؛ قيادةٌ من نسيجِ هذا الوطن، تعرفُ دروبهُ وتشاركُ أهلهُ همومهم، وتؤمنُ بأن الشرعيةَ الحقيقيةَ تُكتسبُ من خلالِ الخدمةِ الصادقةِ والإنجازِ الملموس، لا من خلالِ الألقابِ والمناصب.

كما أن المشهدُ السياسيُ لا يخلو بدورهِ من تعقيداتٍ وتحديات؛ فجوةُ الثقةِ بينَ التأييدِ البرلماني المرتفعِ نسبياً والترددِ الملحوظِ لدى القوى الحزبيةِ في تقييمِ الأداءِ الحكومي، تشيرُ إلى هشاشةٍ محتملةٍ في التحالفاتِ قد تُعقّدُ مسارَ التنسيقِ المستقبلي؛ وهذا التباينُ ليس بالضرورةِ انعكاساً لضعفٍ حكومي، بقدرِ ما قد يكونُ ردَ فعلٍ لنهجٍ غيرِ مألوفٍ يُعلي مصلحةَ عامةِ الشعبِ فوقَ الحساباتِ السياسيةِ التقليدية؛ فالكفاءةُ التنفيذيةُ الواضحةُ في مقاربةِ الإصلاحِ المؤسسي والمنهجيةِ الميدانيةِ تصطدمُ بتحدٍ ثلاثي الأبعاد؛ ضرورةُ معالجةِ الإهمالِ المتراكمِ في الملفِ الاجتماعي، وحتميةُ بناءِ جسورِ ثقةٍ راسخةٍ مع مختلفِ الأطيافِ السياسية، وأهميةُ تحقيقِ اختراقاتٍ تنمويةٍ سريعةٍ وملموسةٍ قبلَ أن يتسربَ الإحباطُ إلى الشارع؛ مستقبلُ الحكومةِ يعتمدُ بشكلٍ حاسمٍ على قدرتها الفائقةِ على الموازنةِ الدقيقةِ بينَ طموحِ الإدارةِ الفاعلةِ وواقعِ السياسةِ والمجتمعِ بتعقيداتهما، وهو التوازنُ الذي يتطلعُ إليهِ النظامُ والشعبُ معاً؛ وهذه المعادلة الصعبة هي جوهر ما يريده النظام السياسي والشعب معاً.

في قلب هذا النهج، يكمن عمل دؤوب لاسترداد حق المواطن في الخدمات الأساسية، خاصة الصحة والتعليم، بعد سنوات من التحول غير المتوازن لصالح القطاع الخاص على حساب العام؛ إعادة التوازن لصالح المواطن، وضمان حصوله على حقوقه الأساسية بكرامة، هو جوهر التكليف الملكي الذي ينفذه الدكتور حسان بجدية.

ليتك يا صديقي التقطت تلك الصورة، ووثقت رسالة الدكتور جعفر حسان للمسؤولين بوضوح؛ أن تعلموا من مدرسة الهاشميين، مدرسة تستمع للناس، تتعامل معهم بتواضع الحقيقة لا تكبّر المناصب، وتُحاسب المسؤولين بصرامة دون مجاملة أو هوادة؛ هو ابنُ ثوبٍ نسجته تضحياتٌ وطنية، لا يُجامل في الحق، ولا يتوانى عن سماع صوت الشارع؛ إنه رئيس من ثوبنا، يعرف ثقل الإطار المحمول على الكتف، وثقل المسؤولية الملقاة عليها؛ والأهم، أنه يعمل وكأنه يحملها.

فهل سيلتقط الدرس من يظنون أن السلطة وسيلة للوجاهة لا للخدمة؟ هذا هو السؤال الذي سيجيب عنه الزمن.

مواضيع قد تهمك