الأخبار

سلطان حطاب يكتب : والرأي قبل شجاعة الشجعان

سلطان حطاب يكتب : والرأي قبل شجاعة الشجعان
أخبارنا :  

أن تدخل الصحيفة الى الميدان الرقمي بكل مضامينه ومظاهره وأعرافه،كما بشرنا رئيس التحرير الزميل خالد الشقران وما يحمله للمستقبل وأن تجاري وتواكب وتنضج، فهذا أمر محمود يستحق القائمون عليه الشكر، لأنهم أدركوا قيمة ذلك وانخرطوا في ركب التطور.
واتذكر العدد الأول للرأي مع الذين عاصروه، وأذكر أنني حصلت يومها على العدد الأول حين كنت طالباً في السنة الثالثة في كلية الآداب،بالجامعة الأردنية وقد كان العدد ساخناً، ورغم وصول أعداد قليلة منه للجامعة، ومع ذلك فقد انفقت على شرائه جزءا من مصروفي اليومي الذي لم يكن يتجاوز ساندوتش من الحمص وكأسا من الشاي.
كانت الرأي قد اقتحمت بيئة سياسية واجتماعية مضطربة و تحتاج الى الخبر والتحليل، فقد كان الزمن عام 1971، وما يعنيه ذلك العام.وما قبله
كان يوما صيفياً بامتياز، يوما قائظا من عام 1971، وتحديداً يوم 2 حزيران يونيو من عام 1971، كنا عدنا للجامعة لمعرفة نتائج التحصيل السنوي ودخلت الكافتيريا وفي يدي العدد ، كان الطلاب قلّة وفي إجازة، وجلست اتصفح العدد وادقق في الشعار الذي يعلو الصحيفة ، خريطة العالم العربي، واقرأ الاسم، الرأي، وتذكرت قول الشاعر المحبب اليّ (أبي الطيب) من قصيدته في مدح سيف الدولة،
والرأي قبل شجاعة الشجعان، تمجيداً "للرأي"، والعقل من القوة والاندفاع وضرورة اعمال الرأي والحكمة، وقد يكون ذلك معارضاً لما ذهب اليه الشاعر أبي تمام القائل "
السيف أصدق انباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب" كنت اميل لأبي تمام وقد كانت رسالتي الماجستير عنه (الانسان والتاريخ في شعر ابي تمام )
أما القول والرأي قبل شجاعة الشجعان، فشطره الآخر
هو أول وهي المحل الثاني،
أي أن الرأي أولاً والشجاعة ثانياً.
وقد تواكب على الرأي، رؤساء تحرير أعلام بارزون، أولهم نزار الرافعي، وهو من المؤسسين للصحيفة وجاء الى رئاسة التحرير فيها سليمان عرار، ورجا العيسى وجمعة حماد ومحمود الكايد، الذي انتهى به العصر الذهبي للرأي، مع احترامي لكل تلاميذه من بعده ممن تولوا المنصب، وقد عملت في الرأي كاتباً تحت عمود، بصراحة، لمدة 22 عاماً، حيث تقاعدت عام 2011، قبل أن أعود مجدداً الى الرأي للكتابة، وخلال السنوات الطوال التي عشتها في الرأي، كانت تتمتع بحرية التعبير، وكانت وجه الأردن الجميل وموقع مصداقية الكلمة لدى القراء.
والرأي، هي التي تحمل كتابها للقراء خلاف الصحف التي يحملها الكتاب، وذلك لموقعها الذي كان يميزها كصحيفة أولى في الأردن.
أعود الى الرأي، التي لم يفارقها وجداني، فقد أخذت مني اجمل سنوات العمر، وقطفت كل ما رسمه قلمي من رأي، وكنت بذلك معتزاً، وهي السبب في حصولي على أوسمتي الملكية ككاتب وقد صنعت لي الكثير من المعارف والأصدقاء ، وحتى الاعداء، فالكاتب كالذي يمشي في حقل الغام إن لم يحسن الدربة والتقدير والمسير حتى لايقع في المحظور.
أعود الى الرأي مرة أخرى، لاستظل بها وأكتب، وقد عاودت اعمل الدوزان كما يقول رئيس التحرير الزميل الشقران . لأجسر أكثر من عشر سنوات من الغياب
الشقران اليوم اراه يبذل جهدا فوق عادي مدعما من رئيس وأعضاء مجلس الادارة كي تقف الرأي على رجليها وتسير دون عرج أو اتكاء ، بعد العثرات التي اصابتها، عبر إدارات مختلفة واجتهادات أورثتها قصورا ماليا مفجعا وتبدلات طارئة على مستوى هجران الورق الى الصحافة الالكترونية وكلفة الصحف الورقية.
الرأي ما زالت تتغير وتدخل عصر الرقمنة التي احتفى بها امس
ممثل رئيس الوزراء في الحفل الوزير محمد المومني الذي قدم اقتراحات وجيهة بعد كلمة رئيس مجلس الادارة الارتجالية الوافية سميح المعايطة وشهادات مسؤولين وشخصيات من الراي وخارجها تحدثوا عنها في فيلم وثائقي وما زالت شمعتها مضيئة، وهي تحتفل اليوم بالعيد الرابع والخمسين، حيث أسسها وترك بصماته على توجهها الشهيد وصفي التل رئيس الوزراء انذاك
الرأي تعجب البعض وقد لا تعجب الآخر من الذين يعتقدون بحرق المراحل.
فقد قال لي أحدهم ذات يوم، لماذا لا تعطونا صحيفة متميزة مثل الهيرالد تربيون، فقلت له عندما تفكر بطريقة الإنجليز سيكون ذلك!!
أصابت الرأي شهرة واسعة، وقد كان أبو عزمي، رحمه الله، يكرر عبارة، من لم يمت في الرأي لم يمت، دليل شهرتها وتوزيعها آنذاك.
كانت الرأي محط اهتمام المسؤولين، وكانت دائماً تنطق باسم الدولة، وكانت ترضي وتغضب، فقد ارضت كثيراً واغضبت قليلاً واتذكر شيئاً من غضبهم، أما الرضى عنها فهو الغالب.
ومن الغضب الذي اذكره، يوم نشرت مقالة للراحل المحامي إبراهم بكر، هاجم وزير الخارجية الأمريكي، وكانت اتفاقيات كامب ديفيد المصرية في أوج صراعها، ويوم غضب الراحل زيد الرفاعي، لأنها نشرت خبرا عن استعمال المخابز لزيت السيارات المستعمل كوقود، فاستدعى الجميع.
ويوم غضب الملك الراحل الحسين وكان داعما لها دائما ودخل على اجتماع الكتاب في الديوان الملكي، وهو يضع جريدة الرأي تحت إبطه، وقال هل أنتم كتاب في خدمة الوطن؟ ثم صمت، وقال كيف تسكتون على هذا، وعرفنا حين فتح الصحيفة، أنه يتحدث عن حادثة المعاملة السيئة للأطفال عديمي النسب الذين اسيء لهم، ولذلك اعطاهم بيته ليكون سكناً لهم، فاحسسنا بالضيق واعتذرنا ونظرنا إلى بعضنا البعض !
لكن الرأي، وهاهي تسير وكلنا أمل أن تبقى تحمل راية حرية التعبير التي ندعو أن لا يضيق صدر أحد من المسؤولين منها ، فالحرية شرط الإبداع وحرية التعبير ضرورة في كشف العيوب وتصليحها.
وفي البدء كانت الكلمة، وها هي الرأي ما زالت وفية لها بعد 54 عاماً والعمر المديد.

مواضيع قد تهمك