الأخبار

محمد ابو رمان : الذكاء الاصطناعي والذكاء الوطني!

محمد ابو رمان : الذكاء الاصطناعي والذكاء الوطني!
أخبارنا :  

منتدى «تواصل» الأخير، الذي نظمته مؤسسة ولي العهد، شكّل نقطة ضوء مهمة في هذا السياق، عبر طرحه لموضوعات حيوية مثل الصناعات الإبداعية، الريادة، التعليم، والذكاء الاصطناعي. ولعلّ الأهم من كل ذلك أنّ المؤسسة، من خلال هذه المبادرات، تفتح الباب أمام التفكير بسياسات وطنية أكثر جرأة وحداثة، تتجاوز الأسئلة التقليدية إلى ما هو أعمق وأخطر: كيف نكون شركاء في صياغة المستقبل، لا مجرد متفرجين عليه؟
من بين ما طُرح في المنتدى، برز موضوع «عصر الذكاء الاصطناعي» بوصفه التحدي الأكبر والأكثر مصيرية. فالحقيقة أن ما نراه اليوم من أدوات ذكية مذهلة ليس إلا بداية مرحلة جديدة تمامًا في التاريخ البشري. وهذا ما تناوله تقرير التنمية البشرية العربي للعام 2025 الذي جاء بعنوان: «رهنٌ بخيار: الإنسان والإمكانات في عصر الذكاء الاصطناعي»، وهو تقرير مكثّف (32 صفحة فقط)، لكنه عميق في تحليله، ومليء بالمضامين التي تستحق الوقوف عندها.
التقرير لا يكتفي بدق ناقوس الخطر، بل يقدّم مفاتيح عملية للتعامل مع هذه التحولات، من خلال ثلاثة مداخل رئيسية: بناء اقتصاد تشاركي بين الإنسان والآلة، لا يقوم على التنافس بل على التكامل. قيادة الابتكار من خلال تصميم واعٍ ومؤطّر للعلاقة مع الذكاء الاصطناعي، بدلاً من ترك الأمور للعشوائية أو لردود الفعل المتأخرة. الاستثمار الذكي في القطاعات القابلة للنمو بفعل الذكاء الاصطناعي، من الطب إلى التعليم إلى الصناعة والخدمات.
ولعلّ السؤال الذي طرحه سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله (في منتدى تواصل) يبقى الأكثر جوهرية: «كيف نكون منتجين للتكنولوجيا لا مجرد مستهلكين؟». هذا هو التحدي الحقيقي. فلدينا عقول أردنية لامعة ورائدة على مستوى العالم العربي، لكنها تعمل وتُقدَّر في الخارج. أما في الداخل، فالإمكانات المادية محدودة، والأطر المؤسسية لا تزال أسيرة البيروقراطية والجمود.
المشكلة لا تتوقف عند ضعف التمويل. ففي كثير من الأحيان، غياب الرؤية الاستراتيجية هو العائق الأعمق. فلا وجود حتى الآن لتصور وطني متكامل يُجيب عن أسئلة حاسمة: كيف يمكن للأردن أن يكون مركزًا إقليميًا في الذكاء الاصطناعي؟ كيف نُوظّف هذه التقنية في تطوير الطب والهندسة والصناعة؟ كيف نربط بين التعليم وسوق العمل المستقبلية؟ والأهم: كيف نُعيد تصميم نظامنا التعليمي ليُخرّج عقلًا نقديًا، لا عقلًا حفظيًا، وعقلاً مبدعًا لا مكرّرًا؟
المفارقة أن هذا النوع من الأسئلة، حول أثر التقدّم العلمي على الإنسان والمجتمع، ليس جديدًا. فكلما انتقلت البشرية إلى مرحلة حضارية جديدة، عادت لتطرح الأسئلة نفسها بصيغ مختلفة: هل سنفقد جوهرنا الإنساني؟ هل ستدمر القيم لحساب التقنية؟ هل نحن مستعدون أصلًا؟ ومن أبرز من عبّر عن هذه الهواجس، الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، الذي فجّر جدلًا واسعًا في عام 1750 بمقاله الشهير «خطاب في العلوم والفنون»، الذي فاز بفضله بجائزة أكاديمية ديجون. في هذا المقال، حاجج روسو بأن التقدم العلمي والفني، بدلاً من أن يرفع من شأن الإنسان، قد ساهم في إفساد أخلاقه وتقويض فضائله. لقد شكّل مقاله صدمة في عصره، إذ قلب فكرة التنوير من كونها أداة للخلاص إلى احتمال للضياع، ولا تزال أصداء ذلك الخطاب تتردد حتى اليوم. نحن إذن أمام نسخة محدثة من سؤال قديم: مع كل قفزة تقنية، يعود السؤال ذاته، لكن بلغة مختلفة: هل ستكون الآلة بديلاً عن الإنسان؟ أم وسيلة لتعزيز قدراته؟ وهل نملك، نحن في هذا الجزء من العالم، رفاهية الوقت أو التردد لنقرر لاحقًا؟
التعليم، وبخاصة في مرحلتي المدرسة والجامعة، يُمثّل المدخل الأول لأي تحوّل حقيقي. لا يكفي أن نضيف مساقًا جديدًا بعنوان «الذكاء الاصطناعي»، بل لا بد أن نُعيد التفكير في طريقة إعداد العقل الطلابي نفسه، ليكون مهيّأً للتعامل مع هذا العصر لا بوصفه متلقياً، بل شريكاً في إنتاجه.

مواضيع قد تهمك