النسيان اللي راكبني: أزمة أم مؤامرة؟

أقسم بشعرة حاجبي اللي طارت مع أول نسمة قلق، إنني نسيت لماذا دخلت الغرفة، ونسيت ماذا كنت أريد أن أكتب، ونسيت حتى أنني ذكر! كل ما أذكره أنني فتحت الثلاجة ولم أجد الأفكار هناك.
نسياننا لم يعد بريئًا، بل صار مدروسًا، متدرجًا، مؤذّبًا، يأتي على شكل خطوات. تبدأ بنسيان مفاتيحك، ثم كلمات الأغنية، ثم مناسبات أعياد ميلاد من تحب (أو كنت تحب)، ثم اسم ابن الجيران اللي كنت بتلاعبه طابة قبل أسبوع، ثم تنتهي وأنت تنادي على أمك باسم «الآنسة».
الخبراء يقولون إن النسيان في هذا العمر مرتبط بكثرة الضغوط. وأنا أقول: «الضغط؟!» يا جماعة الخير، نحن جيل ننسى ونحن نضحك، ننسى ونحن نأكل، ننسى حتى أننا نسينا نحن نمارس النسيان كهواية أولمبية، وننافس فيها شعوب الأرض كلها!
مرّة نسيت كلمة «شاحن» وقلت لصاحبي: «هاتلي إشي بيفوّل الموبايل»... نظر إلي كمن يرى خارطة العقل الأردني تنهار أمامه!
حتى الحب صار يُنسى بعد مكالمة واحدة، والمبادئ تُنسى عند أول خصم على البطاطا، والوعود تُنسى في زحمة الإشعارات.
يا جماعة، نحن لا نعاني من النسيان، نحن نعيش فيه، نتحمم فيه، ننام معه في نفس اللحاف وربما لو سُئلت بعد قليل عن كاتب هذا المقال، سأقول بثقة: «نسيت والله، بس كان يضحّك».
جميع الحقوق محفوظة.