صالح سليم الحموري يكتب : ابن "تلاع العلي" يخاطب خريجي "روشستر الأمريكية": أنتم القصة القادمة

في زمنٍ مضى، كان الطفل القادم من "تلاع العلي" يعبر المسافات يوميًا، يمشي ساعتين في البرد والمطر، "حافي الطموح"، لكنه "ممتلئ بالأمل"، إلى مدارس "جبل عمّان"، و"شكري شعشاعة"، و"كلية الحسين"، منتعلًا جزمةً سوداء تقاوم الشتاء وترافقه في أول فصول الحلم.
لم تكن المسافة وحدها التحدي، بل كان الطموح الذي يكبر مع كل خطوة، ويأخذه يومًا إلى "جامعة أكسفورد" العريقة، حيث نال منها درجة الدكتوراة، وفتح بذلك صفحة جديدة في قصة ملهمة لم تُكتب بعد سطورها الأخيرة.
وقبل يومين، وفي لحظة استثنائية اختزلت المسيرة، وقف البروفيسور يوسف العساف، رئيس جامعة روشستر الأمريكية في دبي، مخاطبًا خريجي الجامعة التي تأسست منذ قرابة قرنين (عام 1829)، بكلمة امتزج فيها عمق الفكر ببصيرة المستقبل، ونبض الإلهام بروح المسؤولية.
قال لهم: "شهادتكم ليست مجرد كرتونة تُعلّق على الجدار، بل هي شهادة على الصمود، والموهبة، والدافعية التي قادتكم لعبور هذا المسار العلمي. لكنها – بحد ذاتها – ليست مصدر القوة. فالقوة الحقيقية تكمن في كيفية استخدامكم لها، وفي الخيارات التي ستتخذونها من الآن فصاعدًا."
وفي عصرٍ يندفع فيه الذكاء الاصطناعي بسرعة مذهلة، ويذوب فيه الفاصل بين الحقيقة والمحاكاة، وجّه رسالته بوضوح حاسم: "نحن من نبرمج الآلات… فلا تدعوها تبرمجكم." اكرر "نحن من نبرمج الآلات… فلا تدعوها تبرمجكم."
فالذكاء الاصطناعي قد يُحاكي المشاعر، لكنه لا يملك شعورًا. قد يُجيد تقليد الاتصال، لكنه لا يعبأ به. ولهذا، تبقى العلاقة البشرية – بكل ما فيها من صدق وعفوية – هي الجوهر، وهي الحقيقة التي لا تُستبدل.
ثم دعاهم أن يحلموا كما تحلم الإمارات، وأن ينسجوا مستقبلهم كما تنسج دبي حكاياتها: واقعية في جذورها، طموحة في أفقها، غامضة في مساراتها، لكنها دومًا مفعمة بالمعنى.
ثم ختمها ببساطة مُلهمة:
"اذهبوا… وعيشوها."
واستشهد بمقولة عربية خالدة:
"من طلب شيئًا وجده، فإن لم يُصبه، وقع قربه."
لقد كانت كلمته أكثر من وداعٍ دافئ من قاعات الجامعة… كانت دعوة إلى الحياة، إلى بناء المستقبل بالإرادة، لا بالانتظار. بالحلم، لا بالتردد.
مبروك لكم أيها الخريجون، واستمتعوا بالاحتفال… فهو لحظة تستحق أن تُعاش، وتُروى، وتُلهم من بعدكم.
*صالح سليم الحموري/ مستشار التدريب والتطوير – كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية.