في كل عام، نحتفل بيوم الاستقلال ونحن نستحضر تضحيات الأجداد والآباء الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل أن نعيش في وطن حرّ، مستقل الإرادة، مرفوع الرأس. غير أن الاستقلال بمفاهيمه الحديثة لم يعد يقتصر على الحدود والسيادة السياسية، بل تعداه إلى الاستقلال المالي والاقتصادي الذي يحمي مقدّرات الشعوب ويضمن استدامة التنمية والكرامة.
ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز منظومة الحوكمة ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أصبح جزءًا لا يتجزأ من معركة الحفاظ على الاستقلال. فالأموال غير المشروعة لا تهدد فقط نزاهة المؤسسات المالية، بل قد تُستخدم كأدوات لهدم استقرار الأوطان وتغذية الفساد والإرهاب.
لقد أثبتت التجارب الدولية أن الاستقلال الحقيقي لا يتحقق إلا عبر مؤسسات قوية، تعمل بشفافية، وتتمتع بإرادة سياسية وإدارية تحارب الفساد وتغلق منافذ الجرائم المالية. وفي هذا السياق، يأتي دور العاملين في الامتثال والرقابة والتدقيق كمجاهدين في معركة صامتة لكنها حاسمة، لحماية الاقتصاد من التلاعب والاختراق.
وفي مناسبة عيد الاستقلال، نتوجه بالتحية إلى كل من يعمل بصمت خلف الكواليس؛ في البنوك، وشركات التمويل، وهيئات الرقابة، والمصارف المركزية، ومكاتب التحقيق، ممن يكرسون جهودهم يوميًا لحماية الوطن من الجرائم المالية، ويجعلون من الامتثال قيمة وطنية قبل أن تكون وظيفة تنظيمية.
فإن الحفاظ على استقلالنا يتطلب منا أن نربّي في مؤسساتنا ثقافة الشفافية والمسؤولية، وأن نُعلي من شأن القانون، ونربط بين الولاء الوطني وبين النزاهة المهنية. ففي زمن الحروب الصامتة، تكون أدوات الامتثال والرقابة، خطوط الدفاع الأولى عن كرامة الوطن.
كل عام ووطننا بخير، وكل عام ونحن أكثر نزاهة وأكثر التزامًا وأكثر حرصًا على استقلالنا.
مدرب الحوكمة ومكافحة غسل الاموال . ــ الراي