سارة طالب السهيل تكتب : نداء صامت للكائنات المهددة بالانقراض من أجل الحياة

ملايين الكائنات تعيش في الغابات، وفي أعماق البحار، وعلى رؤوس الجبال التي لا نراها، لكنها تشكل العمود الفقري للتوازن البيئي على الأرض، لكن التوازن هذا بات مهددا بالانقراض. فقد دخل عددٌ متزايد من الأنواع الحيوانية والنباتية دائرة الخطر، وأصبح بعضها على شفا الانقراض. ومن هنا ظهر اليوم العالمي للكائنات المهددة بالانقراض، ليس ليذكرنا بفقدان التنوع البيولوجي، بل ليوقظ الضمير الإنساني، ويدعو إلى العمل قبل فوات الأوان.
يحتفل باليوم العالمي للكائنات المهددة للانقراض في الجمعة الثالثة من شهر مايو كل عام، وقد أُقر هذا اليوم لعدة أسباب رئيسية
- جرس إنذار إلى الخطر التي تواجهه آلاف الأنواع من الكائنات في العالم.
- التكتل الدولي لحماية التنوع البيولوجي
- حملة لزيادة الوعي لدى الجميع بأن انقراض الكائنات لا يعني فقط خسارة بيئية، بل أيضا خسارة ثقافية وإنسانية.
وقد تم اختيار هذا التاريخ ليكون رمزًا عالميًا للتأمل والعمل، خاصة بعد تزايد التقارير المقلقة من المنظمات البيئية العالمية، وعلى قمتها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، الذي يصدر «القائمة الحمراء» سنويًا لتصنيف الأنواع المهددة.
ما هي الكائنات المهددة بالانقراض؟
الكائنات المهددة بالانقراض منها أنواع نباتية أو حيوانية أصبحت أعدادها في الطبيعة قليلة أو نادرة جدا؛ مما يعرضها لخطر الانقراض التام من الطبيعة؛ مما يؤثر في التنوع البيولوجي بالأرض، وهذا له أسباب سواء التغيرات المناخية، أو فقدان المواطن الطبيعية، أو الصيد الجائر، أو التلوث.
وفقًا لـ IUCN، فإن أكثر من 40,000 نوع مهدد حاليًا، من بينها: وحيد القرن الأبيض، النمر السيبيري، ببغاء الكاكابو النيوزلندي، سلحفاة انغونكاالعملاقة، نبتة الفانيليا البرية.
أهمية هذا اليوم تتضح في النقاط التالية: وعي عام بمخاطر الانقراض وأسبابه، توجيه البحث العلمي للتركيز لحماية الأنواع المعرضة للخطر وتحفيزه بالمزايا، إشراك جميع منظمات المجتمع المدني والجمعيات في حماية الكائنات البيئية، حملات إعلامية لتسليط الضوء على العلاقة بين البشر والطبيعة سوء إنسانية أو أخلاقية.
الكلمة جناح للنجاة
في مواجهة صمت الطبيعة، كانت الكلمة جناح للنجاة وهي الصوت القوي، من هنا كان دور الأدباء والمفكرين والمثقفين فريدا في إثارة الوعي البيئي، وتحريك مشاعر الناس تجاه الكائنات المهددة.
في مجال الرواية كتب الأديب الفرنسي جان جيونو رواية «الرجل الذي يزرع الأشجار»، وفيها رسم صورة إنسان يعيد الحياة لطبيعة ميتة، فكانت دعوة ضمنية لحماية التنوع البيولوجي.
رواية «نحن نقتل الأرض» للكاتب العربي عبد الرحمن منيف، تجلّت مأساة البيئة من خلال سرد مأساوي لانقراض أنواع بسبب الجشع البشري.
في مجال الشعر قال محمود درويش السماء تنزل فوقي، وللشجرة اسم يشبهني...»، مشيرًا إلى العلاقة العاطفية والوجودية بين الإنسان والكائنات من حوله.
كما استخدم شعراء كثيرون الطيور والنمور والزهور رموزًا للحب، للحزن، أو للحرية، وهو ما يدل على أن الكائنات الحية تسكن لا الطبيعة فقط، بل الوجدان.
في مجال الفنون رسم بابلو بيكاسو طائر الحمامة كرمز للسلام، لكنها باتت اليوم مهددة في بعض المناطق. أما المسرح البيئي الحديث، فقد أصبح منصة يعرض فيها الممثلون معاناة الكائنات التي لا صوت لها.
قصص حقيقية وحكايات من الواقع
- قصة «الأفيال التي ودعت صاحبها» في كينيا، حين تُوفي حارس إحدى المحميات بعد سنوات من حمايته للأفيال من الصيد الجائر، حدث شيء غريب حضرت قافلة من الأفيال البرية إلى بيته، ووقفت لساعات صامتة أمام بيته، وكأنها تودّعه. أظهرت هذه القصة أن الكائنات ليست بلا مشاعر، بل قادرة على الحزن والوفاء.
- قصة «دولفين يرد الفضل لإنسان» في أستراليا، أُنقذ دولفين صغيرعلِق في شبكة صيد من قبل غواص، وبعد أشهر شوهد نفس الدولفين مرارًا يسبح حول القارب الذي أنقذه، وكأنه يعبر عن شكره. أصبحت تلك القصة مادة لأفلام قصيرة ومقالات أدبية تُظهر قيمة الرحمة.
- قصة «الباندا أنقذ شعبا من الاكتئاب» عندما وُلد صغير باندا نادر في الصين بعد عقود من الجهود لحماية هذا النوع، احتفلت البلاد كلها. صار الحدث رمزًا للأمل، وأطلق عليه البعض «سفير السلام البيئي». أدخلت ولادته الفرحة في قلوب الملايين، وتحدث الأدباء عن» إعادة ميلاد الكوكب.
والعبرة من هذه القصص أن كل كائن حي يمتلك قصة تستحق أن تُروى، أن العلاقة بين الإنسان والطبيعة ليست مادية فقط، بل وجدانية وروحية، أن الانقراض لا يقتل الكائن فقط، بل يمحو قصته وتأثيره في الأجيال القادمة، أن الأدب والفن يمكن أن يكونا أدوات قوية لتغيير السلوكيات والمواقف.
دور المجتمع وأفراده
التقليل من استهلاك المنتجات المرتبطة بتدمير المواطن الطبيعية كالنخيل، الجلود، الأخشاب غير المستدامة، دعم المحميات الطبيعية والمبادرات البيئية، تعليم الأطفال احترام الحياة البرية منذ الصغر، الكتابة والتعبير عن حبنا للطبيعة والكائنات من خلال القصص واللوحات والمقالات.
ويجب في يوم الكائنات المهددة بالانقراض، لا نرثي الموتى فقط، بل نقف إلى جانب الأحياء الذين لا صوت لهم، نهتم ونصغي إلى نداء الطيور المهددة بالفناء. وهمس الغابات والأشجار والنباتات التي قد تختفي من الوجود، وننظر في أعين حيوانات أخرى مثل النمور والفيلة، لندرك أننا أمام اختبار إنساني حقيقي هل نستحق أن نعيش في هذه الأرض؟
فربما لا يعود بإمكان وقدرة الأدب أن يصف البجعة إن اختفت، ولا يستطيع شاعر أن يشبّه حبيبته بالغزال إن لم يبقَ غزال واحد على قيد الحياة.