الأخبار

حسام عايش : نحو إنفاق يأخذ رأي المواطن

حسام عايش : نحو إنفاق يأخذ رأي المواطن
أخبارنا :  

تصاعد التحديات الاقتصادية، يفرض الحاجة إلى أدوات تعزز مشاركة المواطنين في القرار الاقتصادي، وعلى رأسها استطلاعات الرأي الاقتصادية التي تعكس أولوياتهم وتعيد بناء الثقة بالسياسات الاقتصادية والمالية العامة.

لذلك، قد يكون مفيدًا إيجاد استطلاع اقتصادي دوري، يعبر فيه المواطنون عن رأيهم بشأن طبيعة الإنفاق الحكومي وعائده عليهم اقتصاديًا ومعيشيًا، كخطوة إضافية نحو الديمقراطية الاقتصادية، خصوصًا في المجالات التي تمس حياة المواطنين مباشرة.

الاستطلاع الاقتصادي المقصود، هو آلية تشاركية تستطلع رأي المواطنين والخبراء ومؤسسات المجتمع المدني في قرارات اقتصادية ومالية كبرى - إنفاق، ضرائب، دعم، مخصصات اجتماعية - وبما يلفت نظر الحكومة إلى أهمية إعداد موازنات موجهة بإنفاقٍ يلامس أولويات المواطنين وحاجاتهم، ما يقلل هدرًا للإنفاق، ويرفع كفاءة تخصيص الموارد، ويزيد الرضا والثقة، ويخفض المخاطر الاجتماعية والمعيشية، ويعزز الشفافية، ويكرّس الرقابة المجتمعية على الموازنة - الأردن حصل على درجة شفافية في الموازنة 60 من 100 في سنة 2023 -.

يلعب هذا النوع من الاستطلاعات الاقتصادية دورًا مهمًا في رصد كل من - الحكومات، المجالس البلدية كأمانة عمّان، مجالس المحافظات - اتجاهات البوصلة الاقتصادية للمواطنين، ما يسمح باتخاذ قرارات مالية/اقتصادية تستند إلى القبول الشعبي - كفرض ضريبة جديدة تؤثر على فئات واسعة من المجتمع، أو رفع/خفض دعم مواد أساسية، الخبز مثلًا، أو الإنفاق على مشاريع تتجاوز قيمتها نسبة معينة من الموازنة 2%، أو إحداث تغيير جوهري في سياسة الحماية الاجتماعية، أو تعديل مخصصات موازنية، أو الإنفاق على مشاريع/مؤسسات/شركات بعينها - وغيرها.

نتائج الاستطلاع - في حال تم القيام به - لن تكون ملزمة للحكومة قانونيًا، إلا أنها ستكون ملزمة سياسيًا؛ باعتبارها مؤشرًا يقيس مستوى الرضا الشعبي عن التوجهات الاقتصادية، التي يمكن للحكومة، أو مجلس النواب، أو مؤسسات مدنية وأهلية، إحالة أي قرار اقتصادي/مالي، أو أي نفقات تتعلق بمشروعات واردة في الموازنة، أو غيرها، لاستطلاع رأي المواطنين بشأنها.

هنا، وحتى لا يبدو الاقتراح وكأنه خارج السياق، ففي بعض الدول يوجد ما يسمى بالموازنة التشاركية (Participatory Budgeting)، حيث يشارك المواطنون مباشرة في تحديد أولويات الإنفاق في حيّهم أو بلديتهم، أو التصويت على مشاريع كبرى على مستوى الدولة. وهناك دول تلجأ لاستفتاءات مالية عامة (Fiscal Referendums) حيث تُطرح قضايا مالية محددة - زيادة الضرائب أو القروض العامة - وهناك استطلاعات رأي مالية منظمة (Financial Opinion Polls)، تستعين بها بعض الحكومات قبل اتخاذ قرارات مالية/اقتصادية كبرى لجس نبض الشارع بشأنها.

في السياق، هناك معادلة تبين عائد إشراك الناس في القرار الاقتصادي/المالي، حيث العائد = الانخفاض في الهدر + الزيادة في الكفاءة + التحسن في الثقة.

إذ بافتراض أن الحكومة تخطط لإنفاق 100 مليون دينار على مشاريع متعددة، وبعد استطلاع رأي المواطنين، ارتأت إلغاء مشروع غير مقبول مجتمعيًا بقيمة 25 مليون دينار - أي خفض الهدر بهذه القيمة - وتعديل إنفاق 30 مليون دينار ليذهب لإقامة مركز تدريب رقمي متطور، وفتح مراكز صحية جديدة - أي زيادة كفاءة الإنفاق بنحو 50% - أي 15 مليون دينار، فيما ارتفعت الإيرادات الضريبية نتيجة ذلك 10 ملايين دينار – تعبيرًا عن تحسن مستوى الثقة بالحكومة – فإن إجمالي العائد = 25 + 15 + 10، أو 50 مليون دينار.

إضافة لذلك، فإن العائد الحكومي العام لا يقتصر على التوفير في إنفاق، بل يشمل التحسينات في كفاءة القرار المالي، وزيادة ثقة الناس، والإدارة الفعالة للموارد المتاحة، ما يرفع الجدوى الاقتصادية العامة للموازنة، ويؤدي إلى نوع من التوازن بين الكفاءة الاقتصادية، والمساءلة وتحسين الشفافية، وبين رفع جودة الإنفاق العام، وتعزيز العدالة الجغرافية والمجتمعية.

استطلاع رأي اقتصادي حول موازنة 2026، يمكن أن يكون خطوة عملية نحو تكريس هذا النهج، وبما يتيح كفاءة أعلى في الإنفاق، وشراكة حقيقية بين المواطن والحكومة في رسم مستقبل الإنفاق العام.


مواضيع قد تهمك