المهندس عبد الفتاح الدرادكة يكتب : مسيرة الاستقلال والطاقة

مع احتفال المملكة الأردنية الهاشمية بالذكرى التاسعة والسبعين لاستقلالها، تبرز الإنجازات التنموية التي تحققت في مختلف القطاعات، ويعتبر قطاع الطاقة علامة بارزة في هذه الإنجازات، بوصفه ركيزة أساسية للاستقلال الاقتصادي والأمن الوطني. فقد استطاع الأردن، رغم شح الموارد الطبيعية والتحديات الإقليمية، أن يحقق نقلة نوعية في استراتيجياته المتعلقة بالطاقة من حيث بناء الصناعات التعدينية والصناعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة التي ميزت الاردن وشكلت صادراتها دعامة لثبات الاقتصاد الوطني على مدى سنوات الاستقلال وكذاك فإن بناء النظام الكهربائي على نحو شموليته التي وصلت الى 100% من المواطنين والمنشآت الاقتصادية وكذلك أداءه الذي ضاهى ويضاهي اكثر الأنظمة الكهربائية تقدما في العالم ، مما أهّل الاردن ليكون نموذجاً يحتذى في المنطقة.
وكذلك شهد الأردن تطوراً ملحوظاً في تبني الطاقة المتجددة، حيث باتت تشكل نسبة معتبرة من خليط الطاقة الكلي، ما أسهم بشكل فاعل في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء وتخفيف فاتورة الطاقة المستوردة. ويُعد هذا النجاح انعكاساً لسياسات وطنية مدروسة، وإطار تشريعي مرن، وبيئة استثمارية جاذبة مكنت المملكة من استقطاب استثمارات كبرى في الطاقة الشمسية والرياح.
لم يقتصر التميز الأردني على الطاقة المتجددة فحسب، بل تعداه إلى تنويع مصادر الطاقة والتركيز على المصادر المحلية. من أبرز الأمثلة على ذلك تطوير حقل غاز الريشة، الذي بدأ يبرهن على وجود احتياطيات واعدة، ومحطة العطارات للصخر الزيتي، التي تساهم بما لا يقل عن 15% من احتياجات المملكة من الكهرباء. هذه المشروعات تعزز امن الطاقة وتقلل من التبعية الخارجية.
ورغم ما تحقق من إنجازات، فإن الأردن لا يزال يواجه تحديات في هذا القطاع، لكنها في الوقت ذاته تشكل فرصاً حقيقية للنمو والاستثمار. فمن أبرز التوجهات التي يمكن البناء عليها:
• الربط الكهربائي الإقليمي: يمثل تسريع الربط مع السعودية والعراق، وتعزيز الربط مع سوريا ومصر، فرصة استراتيجية لتحويل الأردن إلى مركز إقليمي لتبادل الطاقة، مستفيداً من موقعه الجغرافي كحلقة وصل بين دول المشرق والخليج وشمال إفريقيا.
• الاستقلال الغازي: في ضوء الاكتشافات الأخيرة في غاز الريشة، وتقدم الاتفاقيات الحالية نحو منتصف مدتها الزمنية، يمكن العمل على تقييم الجدوى الفنية والاقتصادية للاعتماد على الغاز المحلي، مما يعزز من مرونة الأردن في إنهاء أو تعديل الاتفاقيات الخارجية دون تبعات جسيمة.
• تسويق الخبرات الأردنية: أثمرت التجربة الأردنية في الطاقة المتجددة عن تراكم معرفي ومؤسسي يمكن تصديره إلى دول الجوار، لا سيما تلك التي تواجه تحديات في استغلال أراضيها، مثل فلسطين، والتي قد يجد الأردن فيها شريكاً حيوياً عبر حلول فنية وتشغيلية مشتركة.
• الهيدروجين الأخضر: يمضي الأردن قدماً بخطوات مدروسة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يُعد من أعمدة الطاقة المستقبلية. ويمكن البناء على هذه الخطوات لتعزيز مكانة الأردن كمبادر إقليمي في هذا المجال، مستفيداً من موارده الشمسية وموقعه الاستراتيجي.
وختاما فإنه وفي ذكرى الاستقلال التاسعة والسبعين، يقف الأردن شامخاً بإنجازاته في قطاع الطاقة، التي لم تكن وليدة صدفة، بل ثمرة رؤى استراتيجية وسياسات حصيفة، رسخت دعائم امن الطاقة، وفتحت آفاقاً استثمارية واعدة. وكذلم فإن استغلال الموقع الجيوسياسي، وتوسيع نطاق الربط الإقليمي، وتسويق الخبرات الوطنية، والانخراط المبكر في مشاريع الطاقة المستقبلية، كلها مسارات تعزز من مكانة الأردن كقاطرة إقليمية في ميدان الطاقة، وتؤكد من جديد أن الاستقلال ليس فقط سياسياً، بل اقتصادياً وتنموياً أيضاً
والله من وراء القصد