الأخبار

بشار جرار : «عين» على الاستقلال والذكرى

بشار جرار : «عين» على الاستقلال والذكرى
أخبارنا :  

عيد الاستقلال هذا العام صادف غداة يوم الذكرى. الأول أردني والثاني أمريكي. يومان من أيام الوطن يحياها الأردنيون والأمريكيون بزهوّ وامتنان وعرفان لأصحاب الإنجاز الذي عمّ خيره ما هو أبعد من حدود البلدين الصديقين.

منذ أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها في بلاد العم سام، تم تكريس الثلاثين من أيار يوما لذكرى من قضوا في الحرب من الجانبين، في وقفة ما زالت نادرة بين الأمم من حيث احترام تضحيات من جرحوا وقضوا في الحروب، بصرف النظر عن طرفيها أو أسبابها. للروح الإنسانية كرامتها، ولكل عسكري أو مقاتل قضى نحبه في سبيل وطن أو قضية، لكل منهم أسرة تبكيه وتفخر به.

تحوّل ذلك اليوم بعدها إلى ثلاثة أيام استراحة فلا عَطَلة ولا تعطيل، وذلك باختيار آخر يوم إثنين من شهر مايو يوما للذكرى، بحيث تمتد الإجازة من مساء الجمعة إلى صباح الثلاثاء، إفساحا للناس في قضاء أوقات مع من يحبون من الأسرة والأهل والجيران والأصدقاء، فضلا عن سفرات الراحة والاستجمام بكل ما يحمله هذا الحراك الاجتماعي الاقتصادي السنوي لما يقارب الثلاثئمة وخمسين مليون أمريكي. يوم الذكرى «مِموريال داي» هو أحد اثنتي عشرة عطلة اتحادية «فدرالية» سنويا. تلك أرقام ضخمة من حيث العوائد الاقتصادية الدولارية والسلعية، لحسن توظيف أفراحنا وأحزاننا، لما فيه خير الناس أجمعين. إنما هي فرص لتعزيز الإنتاج والاحتفال بعيدا عن الاستهلاكية.

يوم ذكرى هذا العام في أمريكا هو السابع والخمسون بعد المئة والذي صادف هذه السنة السادس والعشرين من مايو، أي غداة عيد الاستقلال التاسع والسبعين للأردن.

عشت وغيري من الأمريكيين الأردنيين ومعنا الكثير من الأخوة من الأمريكيين المنحدرين من أصول عربية أو شرق أوسطية، عشنا صورا ما كانت لتصلنا لولا منصات التواصل الاجتماعي التي ينبغي أن نذكر ما لها كما نذكر بأسف أحيانا ما عليها.

الصورة الأولى أمريكية من الأردن، من السفارة الأمريكية في عمّان، وذلك الاحتفال الجميل الثري الفخيم في أصالته وتنوعه، الذي جسّد جانبا من جوانب الاعتزاز المشترك بعلاقة استراتيجية بدأت صداقة فشراكة فتحالف، عمرها ثلاثة أرباع القرن، رغم ما مر بالبلدين وجوارهما الإقليمي والدولي من متغيرات بركانية وتسونامية!

صحيح أن السياسة دائبة الحركة والتغير، ولا ثوابت فيها إلا ما ندر، وفقط عند من يقيم للأخلاق وزنا أكبر من المصالح، إلا أن أكثر الناس قدرة على فهم وتفهم الخلاف والاختلاف هم الأقدر والأصدق في فهم «الأنا والآخر» وصولا إلى «نحن» التي نحرص عليها دائما.

في أمريكا والأردن قصة نجاح أصلها واحد، قام على فكرة أن الناس أحرار يختارون بحرية أن يعيشوا معا ويتحالفوا ويتشاركوا مع الآخر، ما لم يكن ذلك على حساب القيم التي قامت على أسسها البلاد. سر أسرار نجاح التجربتين هو استناد قيام المملكة والجمهورية في الأردن وأمريكا على أسس روحية أخلاقية. الوطن بوتقة انصهار ترحب بالجميع لكن ليس على حساب الهوية.. فهذه البلاد لا يجوز ولن يسمح بأن تكون إلا أردنية وأمريكية في عشقها للحرية والاستقلال ورفضها لأي شكل من أشكال العبودية أو التبعية أو الهيمنة. فالاستقلال نقيضه الاستغلال المرفوض من أي كان تحت أي مسمى أو ذريعة.

الصورة الثانية كان أردنية من أمريكا. للأردنيين الأمريكيين نشاطات بعضها فردي وبعضها الآخر جماعي لكنه في الحالتين نشاطات غير رسمية، أهليّة خالصة. ذلك أمر حسن في إطار الدبلوماسية العامة أو الشعبية، العفوية والمباشرة. لكن قد يكون من المفيد للطرفين أن يتم التخفف من الحرج في إفساح المجال للرسميين من الجانبين المشاركة أقله في الأعياد الوطنية غير المسيّسة داخليا في أي من الطرفين.

حفل وقور بهيج يفرح القلب أقامه ثلة من المواطنين الأمريكيين الأردنيين المقيمين في يونكرز، ثالث أشهر مدن ولاية نيويورك شارك فيه القنصل العسكري الأردني لدى الولايات المتحدة.

أما الصورة الثالثة التي أحببت تسليط الضوء عليها في غمرة احتفالات الأردن والأردنيين بعيد الاستقلال فهي بصمة صوتية عابقة بأيام زمان. لن أقول كما يقول البعض أيام «الزمن الجميل» فلكل زمان، كما ولكل مكان، جماله. البصمة الصوتية كانت «العين» إذاعة العين ونجمها، أحد نجوم «المملكة» المذيع القريب إلى القلب، عامر الرجوب. عامر طلب من مشاهديه أن يدعو له وللعين بالتوفيق. وقد تم ومن زمان، كلما أطل في حديث عبر « صوت المملكة» من القلب إلى القلب. أتحرج كثيرا من الثناء على أي زميل قديم أو لم أنل شرف زمالته والخدمة في معيته. ولا أسمح لنفسي أبدا بانتقاد أي زميل مهنة حتى بذلك المسمى الانتقاد البنّاء. وبحكم ما عرفته في دوائر الإدارة والسياسة والصحافة، في الوطن والمهجر، حتى المشورة أو النصيحة لا أحب إسداءها مالم تُطلب، وإن تم فعملا بأدب النصيحة فلا تكون إلا سرا للمعني بالأمر فقط. إلا أنني في عيد الاستقلال ويوم الذكرى، أحببت إبراز صورة «العين» وصوتها، راجيا أن يبقى التقديم عفويا كأيام البث المباشر الصباحي أيام زمان في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية. أتمنى أن يبقى «الحكي أردني» بكل لهجاته.

هذه ليست أمنية عيد، بل رجاء. إعلامنا -التقليدي أو الجديد- بحاجة للإكثار من الحديث بالعامية لأسباب عدة لا تخفى على حريص ولا على حكيم. والأمر لا يقتصر على البرامج بل الأخبار أيضا. من الحكمة أن نحرص على الهوية الوطنية والأجندة الوطنية. لا بل من الواجب أحيانا، الإغراق بالمحلية والإشباع بكل ما يعنيها.

كفى ما مضى بحلوه ومرّه. الإذاعة و»البودكاست» والتلفزيون و»البوست» المنشور على أي من المنصات ما عاد قوة ناعمة بل قوة ذكية، بها نسترد بعون الله الريادة الأردنية في الإعلام وقريبا الدراما، ومن يدري ربما ميادين أخرى. البداية في صناعة المزاج فالرأي العام أم صياغة البلاغات والبيانات والخطابات فتلك أمور مستدركة أو «ملحوقة»!


مواضيع قد تهمك