رمزي الغزوي : سياسة التريند

لم يعد يكفي أن تكون زعيما. في زمن الوجبات البصرية السريعة، لا بد أن تكون قابلا للمشاركة، مختصرا في مقطع، لامعا في صورة، محشورا في تغريدة. لم تعد السياسة مشروعا طويل النفس، بل عرضا مسرحيا مستمرا، يتنافس فيه القادة لا على صناعة المستقبل، بل على تصدر المشهد.
وفي هذه المسرحية، يتقدم دونالد ترمب بدور البطولة. لا يتردد في إطلاق الاتهامات جزافا، ولا يرف له جفن إن سحبها لاحقا. فالمهم ليس الصدق، بل الصدى. كل جملة يقذفها تشتعل بالتفاعل، وكل فكرة مهما بلغت من الجنون، تتحول إلى نكتة إذا لزم الأمر. الهدف واحد: أن يبقى في الواجهة، أن يظل هو الحدث.
وليس ترمب وحده في هذا الكرنفال. من ديمتري ميدفيديف إلى جايير بولسونارو، ومن ناريندرا مودي إلى وزراء دفاع نوويين يتهكمون بلهجة أفلام رديئة، الجميع يتقن فن الإثارة السريعة. التصعيد قبل التحقق، والضجيج قبل الدقة. الجمهور يصفق، والمنصات تضاعف الصدى بلا تردد.
السياسة في هذا الزمن لم تعد ميدانا للعقل، بل ساحة مفتوحة للتشويق اللحظي. ذابت فيها الفوارق بين الجد والهزل، بين القرار والنكتة. تصدر التصريحات كأنها زفرات عابرة، لكنها تترك آثارا حقيقية في الوعي والواقع.
ويقال إن هذا ما يريده الجمهور. جمهور متخم، مشتت، لا وقت لديه لقراءة بيان أو فهم خلفية. لكن السؤال الأهم ليس ما يريده، بل: ماذا نصنع منه؟ هل نصنع وعيا حقيقيا، أم ندجنه؟ هل نربي شعوبا تفكر، أم جماهير تصفق؟
ما نشهده اليوم هو تحول عميق في أدوات الخطاب وجوهر القيادة. فهل أصبحت الزعامة مرادفة للظهور؟ وهل نحن فعلا في زمن ما بعد السياسة؟ أم أننا ندخل زمن الزعيم الإفلونسر، حيث كل تصريح محتوى، وكل أزمة فرصة للانتشار؟ ــ الدستور