الأخبار

د محمد العزة يكتب : هل يحق للعناني ما لا يحق لغيره ؟

د محمد العزة يكتب : هل يحق للعناني ما لا يحق لغيره ؟
أخبارنا :  

د محمد العزة :

جواد العناني السياسي و الاقتصادي الاردني ، شغل على مدى عقود مناصب رفيعة داخل مواقع اركان الدولة الأردنية.
هذا المقال الذي نكتبه ليس دفاعا عن شخص جواد العناني ، ولا عن هويته الفرعية ، و لا انتصارا أو انحيازا لآراءه ( هي قناعاته وقد تكون قناعات آخرين ) التي صرح بها لقناة كان العبرية ، و لم يخرج فيها عن ثوابت الدولة الأردنية، لكنها مرونة و مناورة اللغة الدبلوماسية .
توفير مبدأ العدالة في الرد على من انتقد العناني لآجل تلك الآراء ، دافع هذا المقال .
العناني بخلفيته و مكانته داخل مراكز صنع القرار على مدار سنوات طويلة ، اكسبته الخبرة و ابجديات التفكير المنهجي ، لذا يمتلك مقومات تقديم الرؤى و التحليل السياسي بوصفه خبيرا استراتيجيا ، إمكانيات جعلته مواكبا الملكيتين ( الثالثة و الرابعة ) ، مستوعبا لفكر عقل الدولة بين المئويتين ، مدرسة الراحل الحسين بن طلال السياسية ، و امتدادها الملك عبد الله الثاني بن الحسين ، هذا يحتاج إلى توافر مواصفات استثنائية في الشخصية السياسية ، لم يصل لها إلا قلة من أبناء جيله ، و من الجيل الحالي السياسي ، السبب فارق الطرح ، مابين عمق الواقعية و سطحية الحكم و الاكتفاء بتبني الرواية الافتراضية .
لذا قد يحق للعناني ما لا يحق لغيره بحكم ما يمتلكه و ما هو مطلع عليه و المذهب التحليلي السياسي الذي يعتنقه في نقاش الملفات السياسية.

افتتاحية الرد تبدأ برصد الردود على ما جاء به العناني ، يتضح تبنيها من ثلاث تيارات سياسية لكل واحد منها فكره و وجهة نظره .

-الاول التيار الثوري الحماسي الكلاسيكي التقليدي .
-الثاني التيار الديني العاطفي الجهادي .
-الثالث التيار المحافظ الذي يرفع دعوات و شعارات (تداعيات القضية الفلسطينية و مخاطر تذويب الهوية الأردنية ).
اغلب الردود تراوحت ما بين الشكل التقليدي المتوقع في تداول هكذا عناوين من الاتهامات أولها ان العناني ساعي وراء المنصب ، هتافات التخوين و التحرير ، فتاوي التحريم و التدعيم بالنص القرآني ، هناك من قدم تحليل بصبغة سياسية أكاديمية ، لقالب دقائق مدة المقابلة ، تجاهل أقامة مراجعة تاريخية مقارنة لعاطفة أو موضوعية المواقف الشعبية تجاه الأحداث خلال تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي و الذهاب نحو لما هو ابعد من ذلك.
ليكون الرد حسب الترتيب :

-جواد العناني مع حفظ الألقاب قد يكون طامح ولما لا هناك سيرة تؤهله ، لكنه ايضا من النضج ليزهد في المناصب بعد هذه المسيرة الحافلة ، اذا لم يكلف بها لن يسعى لها ، هي تلك طبيعة شخصيته لكل من يعرفها .
-الادعاء أن التصريح أو إجراء المقابلات على منصة إسرائيلية هي البوابة للوصول أو اقرب وسيلة للحصول على المناصب هذا إجحاف و أضعاف بل تعدي سافر على أركان سيادة الدولة الأردنية ، و جهل في كيفية اتخاذ قرارات تكليف الشخصيات و مرجعيتها لدى صانع القرار و سيده داخل الدولة بما تقتضيه المصلحة الوطنية .
-اتهامات التخوين و السقوط في شباك التطبيع ، هي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي توجه لشخصية سياسية و لكل من يقدم خطاب مختلف .
هي ذات النسخة و الأداة المكررة من التشكيك لاول ثورة و عمل نضالي ضد المستعمر المحتل في تاريخ الصراع من الثورة العربية ليومنا هذا ، أطلقها أفراد لما يشاركوا يوما في أي نضال ثوري عسكري ، تبنوا رواية المروي و المحكي من طرف واحد ، وآخرون شاركوا فعليا لاحقا انخرطوا في مفاوضات و ما جاء فيها من بنود و تسويات و لم يبذلوا عناء تفسير اتخاذ مثل هذا القرار من القيادات الثورية أو الدينية ، لكنها التبعية التنظيمية و العقلية المسلوبة الخيار .
الواقع العربي الراهن شيء و الامنيات السياسية التحررية شيء آخر .
على الشعوب العرب التمييز مابين حل السلة الكاملة (معادلة صفرية غالب أو مغلوب ) والواقع السياسي الراهن المعقد ، هم أسهموا في تعقيده و اضاعوه سابقا اصلا ولم يستفيدوا من محاكاة ظروف ماقبل ٤٨ و ما بعدها من هزائم ، بل شاركت الشعوب العربية فيها من خلال حالة الوعي السياسي السطحي التي سيطر عليها ، ولم يرغبوا يوما في دراسة الآخر (العدو) و تفكيك خطابه ولا نشأته وجوهر الصراع ومن يقف خلفه و يدعمه و تكتيكه في كل مرحلة .
لهذا ستبقى النتائج كما هي لا نتوقع الافضل و لا الاسوء على المدى القريب ، لكن السيء ممكن ، هنا الواجب يحتم علينا امتلاك قدرة قراءة المشهد بنظرة موضوعية و منطقية حتى نتوقع تسلسلها و الاستعداد بالتحضير لها بتدابير تقلل اضرار القادم ، هذا يكون بالمصارحة و التخطيط الاستراتيجي العملي ،لا أن يخالف ما يعلن في السر لما هو في العلن.
استخدام شعارات"غاز العدو احتلال", "إسقاط وادي عربة " ، "توزيع تهم التخوين" مهما بلغت شعبيتها , الأولى أن يكون هناك جهود لتشكيل جبهة اردنية عربية ناضجة واعية ضد مشاريع التوطين و التهجير القسري ، تثمر في صمود 7 مليون فلسطيني فوق تراب أرضهم و وطنهم ، لن يحدث هذا بالانفعالات و سلب البندقية النضالية الانفعالية العاطفية ، عقلها ثم المتاجرة بدماء شهدائها و أبطالها.
د عاطف نايف زريقات و هو القومي العروبي ، أخبرني لتعود الذاكرة السمكية للشعوب العربية للوراء ، تنسى ان نبذ و طرد آلاف اليهود العرب من اوطانهم بعد النكبة بمخططات الوكالة اليهودية للهجرة نحو الكيان الصهيوني المحتل الوظيفي أنعش امال قيامه بتوفير العنصر البشري له ، وتكرر السيناريو بهجرة آلاف اليهود الروس عند سقوط الاتحاد السوفياتي بعد الحرب الأفغانية و دور ادوات الخطاب الجهادي الاسلامي فيه .

-شعارات تذويب الهوية الوطنية الأردنية ، لم تعد تنفع لتهديد دولة اردنية مئوية ترسخت جذورها قيادة و شعبا و جيشا، مؤسسات حكومية و أمنية محترفة ، ملتفة تحت راية مملكة اردنية هاشمية نحتفل باستقلالها ال79 عن قريب ، لكنها هواجس المحاصصة و الخوف على المكاسب .
-الهوية الوطنية الأردنية الواحدة الجامعة الحفاظ عليها و حمايتها يتوقف على وعي عناصر تركيبة فسيفساء الداخل الاردني ، برفع كفاءة التحليل العقلاني للأحداث السياسية، اقتناعها بالتعددية التشاركية ،و اعمال الديمقراطية و العدالة الاجتماعية نحو بناء دولة مدنية حديثة قوية تحترم الموروث و تواكب الحداثة لا بشعارات التهويل .

-حسمت الدولة الأردنية أمرها بمواقف قيادتها وشعبها تجاه خصوصية العلاقة الأردنية الفلسطينية "الاردن هو الاردن فلسطين هي فلسطين" .

-إعادة صياغة الخطاب الوطني الاردني و العربي ضرورة ملحة بالرجوع إلى جوهر الصراع منذ بداية نشأته و إعادة الاعتبار لقرارات 242,194,181 و إلزام المجتمع الدولي لها عبر التأكيد على إقامة الدولة الفلسطينية ، حق العودة ، احترام السيادة الأردنية و إيصال كل ما يلزم من رسائل سياسية أو عسكرية متاحة، مفادها استقرار المنطقة وأمنها يتوقف على تحقيق ما ذكر أعلاه ، حتى وإن أفضى بقيام دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة متعددة الإثنية ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .

-نحن العرب نجيد السلام الدافيء , لا حار و لا بارد ، ، نستمده من شريعتنا و السيرة النبوية ، دون مزايدة لأننا نؤمن بعدالة القضية وقد نطرحه ضمن سياق اتقان التكتيكات السياسية بأقامة البينة القانونية و السياسية , يشهد لها تاريخ من التضحية و الفداء و ماراثون من مبادرات السلام العربية و الدولية ، مقابل ادعاءات الكيان الذي يتبنى المظلومية و أنه ضحية معاداة السامية ليستغلها في ممارسات عنصرية أوغلت بالقتل و التدمير و صناعة برك من الدماء.
ثقافة الجيتو التي يفرضها و يؤمن بها اليمين الديني المتطرف و الجدار العازل اكبر دليل ، و التطرف لن يقابله إلا تطرف.
-77 منذ النكبة و محاولات إفراغ فلسطين ، لكنها مازالت عامرة بشعبها الذي روها بالدماء و الشهداء ، هل يعقل استطاعة هذا الاحتلال التوسع أكثر ، لكن يمكن أن يحدث و يهجر بأن يمزق و يبعثر محيطها أكثر ليس بذكاءه بل ضحالة فكر الآخر.

عندما يتحرر العقل العربي من اثنان أدعياء الخطابات الثورية العدمية و دعاة الخطابات الدينية العاطفية القائمين سدنة أوصياء على حراسة تلك الاقواس المحاصرة (للقضية الفلسطينية) ، عند كسرها قد يولد فكر للأمة العربية قوامه المنهجية الحقيقية العملية بشكل مختلف يفضي لتحرير فلسطين من النهر الى البحر .

اختم بآبيات لمظفر النواب :
وَهَمستَ بدفء برئتيها الباردتين...
أيقتلكِ البردُ ؟
انا .... يقتلني نِصفُ الدفئِ.. وَنِصفُ المَوقِفِ اكثر
سيدتي نحن بغايا مثلكِ....
يزني القهر بنا..والدينُ الكاذِبُ.. والفكرُ الكاذبُ ..
والخبزُ الكاذبُ ..
والأشعارْ ولونُ الدَمِِ يُزَوَّرُ حتى في التَأبينِ

مواضيع قد تهمك