غزيون : الأردنيون لم يتركونا وحدنا في محنتنا

غزة - أحمد زقوت
في مشهد إنساني مفعم بالأمل، عاد 17 طفلًا فلسطينيًا إلى قطاع غزة أمس الأول الثلاثاء، بعد تلقيهم علاجًا ناجحًا في المستشفيات الأردنية، ضمن مبادرة «الممر الطبي الأردني» التي أطلقتها المملكة لتقديم العون الطبي العاجل لأبناء القطاع المحاصر، استجابةً للأوضاع الصحية الكارثية التي خلّفها العدوان الإسرائيلي المستمر، في وقت بات فيه الأمل بالنجاة نادرًا، والإمكانات الطبية شبه معدومة.
وفي الرابع من آذار الماضي، وصل 29 طفلًا مع ذويهم إلى الأردن في الدفعة الأولى ضمن «المبادرة الطبية» حيث تم إجلاؤهم برًا وجوًا بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة، وتلقى الأطفال رعاية طبية متخصصة، فشُفي منها 17 طفلًا، فيما لا يزال 12 آخرون يتلقون العلاج في مستشفيات المملكة.
وفي هذا السياق، عبّر ذوو الأطفال العائدين عن شكرهم لجلالة الملك عبدالله الثاني والقوات المسلحة الأردنية على دعمهم الكبير، مؤكدين أنّ المبادرة الأردنية كانت شعاع أمل أعاد الحياة لعائلات أنهكها الحصار والحرب، معتبرين أنّ رعاية المملكة تتجاوز العلاج لتجسد تضامنًا أخويًا ووحدة مصير بين الشعبين الأردني والفلسطيني.
الطفلة نيفين أبو دقة، البالغة من العمر ثمانية أشهر، عادت إلى غزة بعد رحلة علاجية استمرت شهرين في الأردن، تلقت خلالها رعاية طبية متقدمة لحالتها الصحية الحرجة، حيث وُلدت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وكانت تعاني من ثقب خلقي في القلب تطلب تدخلاً جراحيًا دقيقًا لم يكن متاحًا في مستشفيات القطاع بسبب نقص الموارد الطبية.
وبجهود تنسيقية بين جهات فلسطينية وأردنية، سافرت نيفين إلى المملكة حيث استقبلها المستشفى التخصصي في عمّان، وخضعت هناك لسلسلة من العمليات الجراحية المعقدة بإشراف نخبة من أطباء جراحة القلب للأطفال، وتمت متابعتها بشكل مكثف حتى استقرت حالتها وتعافت تدريجيًا.
وأعربت والدة الطفلة نيفين، إيناس أبو دقة، عن امتنانها العميق للأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، وللحكومة والشعب الأردني، على هذا الاحتضان الإنساني النبيل، مشيرة إلى أنّها شعرت بدفء التضامن الأردني منذ اللحظة الأولى لوصولهم.
وقالت لـ «الدستور»: «لم نكن وحدنا في هذه المحنة، فقد كان الأردن سندًا حقيقيًا لنا في أصعب اللحظات، ووقف إلى جانبنا حين ضاقت السبل واشتدت الأزمة»، مؤكدةً أنّ هذه المبادرة لم تكن مجرد تدخل طبي، بل كانت طوق نجاة أنقذ حياة ابنتها، وأعاد الأمل إلى قلوب عائلتها بعد شهور طويلة من القلق والمعاناة.
ومن مخيم جباليا شمال القطاع، روت نسرين أبو عوكل، والدة الطفلة سمية (16 عامًا)، تفاصيل رحلة علاج ابنتها إلى المملكة، بعد إصابتها بشظية صاروخ خلال العدوان الإسرائيلي الأخير.
وعن لحظة الوصول إلى الأردن، قالت أبو عوكل: «شعرنا بأننا بين أهلنا، وكان الاستقبال دافئًا ومليئًا بالحب والاحترام، ولم نشعر بالغربة لحظة واحدة»، مضيفةً أنّ «الطاقم الطبي الأردني كان على درجة عالية من الكفاءة والرحمة، حيث تلقّت سمية فحصًا شاملًا وعناية دقيقة منذ اللحظة الأولى، ولم يقدّموا لنا العلاج فقط، بل منحونا الحنان والدعم النفسي الذي افتقدناه وسط الانهيار الصحي في غزة».
وأشارت إلى أنّ سمية أُصيبت في يدها بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وكانت حالتها حرجة وتحتاج لتدخل جراحي عاجل لم يكن متوفرًا في القطاع، لتبدأ بعدها رحلة انتظار مرهقة انتهت بإدراجها ضمن قوائم العلاج في الخارج، وعودة الأمل إلى الأسرة.
واختتمت أبو عوكل رسالتها بشكر عميق لجلالة الملك عبدالله الثاني والشعب الأردني، مؤكدة أنّ «هذه المبادرة أنقذت حياة ابنتي، ومنحتنا شعورًا بالأمان والكرامة في وقت كنا فيه بأمسّ الحاجة إلى من يمدّ لنا يد العون».
من جهتها، قالت نور البريم، والدة الطفلة ندى (7 سنوات)، إنّ ابنتها تلقت رعاية طبية وإنسانية متميزة منذ وصولها إلى الأردن، بعد معاناة طويلة مع مرض ثقب في القلب بقطاع غزة.
وأوضحت البريم في حديثها لـ «الدستور»، أنّ «الطاقم الطبي قدّم فحوصات دقيقة وخطة علاج شاملة، إلى جانب دعم نفسي كبير لها ولابنتها»، موضحةً أنّ «مغادرة غزة كانت خطوة حاسمة لإنقاذ ندى، في ظل نقص الإمكانات الطبية هناك».
وأكدت البريم أنّ السفر إلى الأردن شكّل طوق نجاة حقيقياً لإنقاذ حياة ابنتها، معربة عن شكرها لجلالة الملك عب الله الثاني، ولكل من مدّ لنا يد العون في أصعب لحظات حياتنا».
وشددت والدة ندى على أنّ «المملكة لم تكن مجرد بلد مضيف، بل كانت الحضن الدافئ الذي احتوانا بالرحمة، وفتح لنا أبواب الأمل من جديد، وهنا شعرنا أننا بين أهلنا، نُعامل بإنسانية وكرامة، في وطننا الثاني».
وفي إطار الدفعة الثانية من مبادرة «الممر الطبي الأردني»، نفّذت القوات المسلحة الأردنية، أمس الأربعاء، عملية إخلاء طبي لأربعة أطفال من غزة مصابين بمرض السرطان، برفقة 12 فردًا من ذويهم، لتلقي العلاج المتخصص في المستشفيات الأردنية، إذ يأتي هذا الجهد ضمن سلسلة مبادرات إنسانية أطلقتها المملكة منذ بدء العدوان على القطاع، للتخفيف من معاناة السكان، شملت إرسال مستشفيين ميدانيين لا يزالان يعملان حتى اليوم، وتسيير قوافل مساعدات طبية وغذائية، إلى جانب تنفيذ عمليات إخلاء طبي عاجلة.
من جانبه، أشاد مدير المستشفيات الميدانية في غزة، د. مروان الهمص، بالدور الحيوي والمستمر الذي تؤديه المملكة في دعم القطاع الصحي بغزة، مؤكدًا أن عمليات إجلاء المرضى والجرحى إلى مستشفيات الأردن تعد بمثابة طوق نجاة حقيقي، ساهم في إنقاذ الأرواح، من خلال إجراء العمليات الجراحية الدقيقة، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية.
وبيّن الهمص لـ «الدستور» أن إرسال الأردن وفودا طبية متخصصة بالتنسيق مع وزارة الصحة ساهم بشكل كبير في توفير الرعاية الصحية لآلاف المصابين في غزة، خصوصًا بعد تدمير المستشفيات، مؤكداً أنّ هذه الوفود قدمت خدمات علاجية متقدمة في ظروف قاسية، مما ساهم في إنقاذ العديد من الأرواح وتخفيف معاناة السكان.
وعبّر الهمص عن تقديره العميق لموقف الأردن الثابت والداعم للقضية الفلسطينية، مشيدًا بمساندته المستمرة للشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات والمحن، مؤكداً أنّ هذا الموقف يعكس التزام المملكة الدائم والمبدئي في نصرة الحق الفلسطيني في أصعب الظروف.
بدوره، أكد ممثل الأمين العام للاتحاد الفلسطيني للأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة، ناجي ناجي، أنّ العدوان الإسرائيلي أسفر عن ارتفاع غير مسبوق في أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك حالات بتر الأطراف، نتيجة الإصابات أو نقص الرعاية الطبية.
وأشاد ناجي بالدور الأردني، خاصةً عمليات إجلاء الجرحى، إلى جانب المستشفيات الميدانية الأردنية ومبادرة «استعادة الأمل»، التي ساهمت في توفير الأطراف الصناعية للمبتورين، مما أعاد لهم القدرة على الحركة، مثمناً الدعم الأردني المستمر من مساعدات طبية وأجهزة مساندة، ومؤكدا أنّ ما تقوم به المملكة قصة نجاح إنسانية حقيقية في ظل الظروف الصعبة.