الأخبار

وقائع مجاعة معلنة في غزة” مع تزايد توقف “التكايا”..أطفال يبكون وأمهات يتقاسمن رغيف الخبز

وقائع مجاعة معلنة في غزة” مع تزايد توقف “التكايا”..أطفال يبكون وأمهات يتقاسمن رغيف الخبز
أخبارنا :  

غزة –  يخشى سكان قطاع غزة أكثر من أي وقت مضى، وصولهم إلى مرحلة لا يجدوا فيها ما يسد جوعهم، مع تزايد عدد "تكايا” الطعام التي تغلق أبوابها يوميا، أو تلك التي تضطر لتقليص كميات الطعام المقدم، لملائمة ما لديها مع الأعداد المتزايدة للجوعى، خاصة بعد إعلان منظمة المطبخ المركزي العالمي، الأربعاء، عدم قدرتها على طهي وجبات جديدة لسكان غزة، جراء نفاد الإمدادادات التي تصلها، مع طول مدة إغلاق إسرائيل للمعابر.

وفي أحد مناطق النزوح غربي مدينة خانيونس (المواصي)، أقسمت سيدة على أنه لم يعد في خيمة نزوحها سوى أقل من كيلوغرامين من الدقيق، فيما نفذت كل المعلبات التي كانت تملكها العائلة، وذلك مع عدم حصولها على مدار الشهرين الماضيين على أي مساعدة غذائية من المنظمات الأممية.

هذه السيدة وتدعى حنان وتبلغ من العمر (55 عاما)، وتقيم في ضمن معسكر خيام، يقيم بجوارها أبناؤها المتزوجون، وبعض الجيران السابقين الذين نزحوا مؤخرا من مدينة رفح، ورفقاء نزوح تعرفت عليهم في هذه الظروف، قالت لـ "القدس العربي” إن كمية الدقيق لا تكفي لأن تطعم ربع أفراد الأسرة، ولا الأطفال الذين قالت إنهم باتوا يبكون في ساعات المساء من الجوع، وتضيف "الكل هان (الجميع هنا)، يعتمد على التكايا، ولو سكرت (أغلقت) راح يزيد الجوع”.

أشارت السيدة حنان إلى أحد أحفادها الصغار، وكان يلهو على مقربة منها، وقد بدأت آثار الجوع تظهر على جسده النحيل، وأكدت أن الجميع في الأسرة يشتكون من الجوع، حيث باتت تعتمد على تقديم وجبة واحدة في اليوم

وأشارت هذه السيدة إلى أحد أحفادها الصغار، ويبلغ من العمر 10 سنوات، وكان يلهو على مقربة منها، وقد بدأت آثار الجوع تظهر على جسده النحيل، وتؤكد أن الجميع في الأسرة يشتكون من الجوع، حيث باتت تعتمد على تقديم وجبة واحدة في اليوم، بعد الحصول عليها من أحد "تكايا” الطعام، وتحرص على أن تقدم عصرا، حتى لا تقدم لهم وجبة عشاء، لعدم امتلاك الطعام، فيما تحرص في الصباح على تقديم كسرات من الخبز وطبق "دقة”، تصنع من القمح، للأطفال لتناولها لعدم قدرتهم على تحمل هذا الوقت الطويل بدون طعام، وتشير إلى أن وجبة الإفطار المقصورة على الأطفال، لا تشبعهم.

وليس بعيدا عن هذا المشهد، يقول عبد أبو فياض الذي يقطن في وسط قطاع غزة، في منزل تعرض التدمير الجزئي البليغ جراء هجمات شنتها قوات الاحتلال، إن الشغل الشاغل له ولجميع أرباب الأسر حاليا هو كيفية توفير وجبة طعام لأفراد الأسرة، خاصة بعد نفاذ الدقيق عند غالبية السكان.

خوف من توقف "التكايا”

وهذا الرجل الذي يزاحم يوميا في طابور طويل أمام أحد "تكايا” الطعام، للحصول على وجبة ساخنة إما من الأرز أو المعكرونة أو العدس، يقول إنها باتت أساسا لإشباع جوع الأسرة، ويضطر يوميا لقصد "التكية” هو واثنين من جيرانه قبل التوزيع بساعتين، لضمان أن يكون في بداية من يحصل على الطعام، وذلك لنفاذ الكميات التي تطهو هناك بسبب الأعداد الكبيرة التي تصل يوميا. ويضيف لـ”القدس العربي” أن طبيعة الطعام الذي يأكله السكان، لا يسد الجوع ولا يمد السكان بالطاقة اللازمة للأعمال اليومية الشاقة، ومنها ملء غالونات المياه يدويا، والقيام بأعمال المنزل يدويا، ومنها تكسير الحطب إن وجد لإشعال النار سواء للطهو إن توفر الطعام، أو لتسخين مياه الاستحمام وغسيل الملابس.

ويؤكد كغيره أن لا أحد من الأسرة لا يشعر بالشبع بسبب قلة الطعام المتوفر، وأن أكثر المتأثرين بهذا الوضع هم الأطفال، الذين يشتكون الجوع يوميا. واندهش هذا الرجل حين سألته "القدس العربي” عن كيفية تدبير أموره في الطعام، في حال توقفت "تكايا” الطعام عن العمل، خاصة وأن الكثير منها اضطر لإغلاق أبوابها، بعد نفاذ المواد التموينية التي كانت بحوزتها. وقال "هيك صعب على الجميع، من وين بدنا نأكل”. ويشير إلى أنه منذ أن أدرك الحياة وعمره الآن (50 عاما)، لم يشهد وضعا صعبا في الحصول على الطعام كالوضع الحالي، ويضيف "طول الوقت بفكر كيف بدنا نأكل، ومن وين نجيب الأكل، وكيف بدي أطعمي الصغار”، ويوضح أن التزاحم أمام "التكايا”، حرمه مرات سابقة من الحصول على قوت أسرته اليومي.

الاحتلال يواصل منع إدخال حليب الأطفال والمكملات الغذائية وكافة أشكال المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى وصول أكثر من 70,000 طفل إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد، فيما يواجه أكثر من 3,500 طفل دون سن الخامسة خطر الموت الوشيك جوعاً

وفي تأكيد على خطورة الوضع كان الناطق باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا” عدنان أبو حسنة، قال إنه في قطاع غزة هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين يتناولون وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة.

وقد حذر المكتب الإعلامي الحكومي من "كارثة إنسانية وشيكة”، في قطاع غزة، بفعل استمرار جريمة إغلاق المعابر وتشديد الحصار الخانق، لافتا إلى ان الاحتلال يواصل منع إدخال حليب الأطفال والمكملات الغذائية وكافة أشكال المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى وصول أكثر من 70,000 طفل إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد، فيما يواجه أكثر من 3,500 طفل دون سن الخامسة خطر الموت الوشيك جوعاً.

ومنذ بداية الحرب، بات جميع سكان قطاع غزة وعددهم يقارب الـ 2.4 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات التي تقدمها منظمات إغاثة دولية، لتدبير أمور حياتهم اليومية، بعد أن أصبح جميعهم مصنفون ضمن الفقراء.

وتفرض سلطات الاحتلال حصارا محكما على قطاع غزة منذ الثاني من مارس الماضي، وتمنع بموجبه دخول أي مواد غذائية أو طبية للسكان، وهي أطول فترة حصار يتعرض لها السكان منذ بداية الحرب قبل أكثر من 18 شهرا، وأدى ذلك إلى تفاقم أزمة الطعام بشكل خطير، حيث نفذت مخزونات الطعام المتوفرة لدى الأسر، بعد توقفت منظمات الإغاثة الدولية عن توزيع المساعدات، كما نفذت البضائع من الأسواق، وبات ما يتوفر منها يباع بأثمان عالية.

إغلاق المطبخ العالمي

وبشكل يشير إلى تصاعد أزمة الجوع بشكل أخطر مما عليه الآن، أعلنت منظمة المطبخ المركزي العالمي، أنها لم تعد قادرة على طهي وجبات جديدة لسكان غزة، جراء نفاد الإمدادات الغذائية وشحنات الوقود اللازمة لطهي الوجبات أو إعداد الخبز جراء الحصار الإسرائيلي.

وقالت المنظمة في منشور لها على منصة "إكس”، إن عملها لا يمكن أن يستمر دون سماح إسرائيل بدخول المساعدات، لافتة إلى أنها قدّمت خلال الأشهر 18 الماضية في غزة، أكثر من 130 مليون وجبة و26 مليون رغيف خبز، لكنها لم تعد قادرة على الاستمرار في ذلك، نتيجة نقص الإمدادات للازمة للطهي أو الخبز، مشيرة إلى أنها منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر الحدودية في أوائل مارس الماضي، لم نتمكن من تجديد مخزونات الطعام التي نستخدمها لإطعام مئات الآلاف من سكان غزة يوميا، مشيرة إلى أن أكثر من 80 بالمئة من المطابخ المجتمعية نفدت منها مخزونات المنظمة، وبدون مكونات أو وقود، وباتت لا تستطيع إطعام العائلات التي تعتمد عليها.

وقالت وهي تتحدث عن الأزمة "من خلال التكيّف المستمر خلال الأسابيع الماضية، كنا نطهو 133 ألف وجبة يوميًا في اثنين من مطابخنا الميدانية المتبقية، ونخبز 80 ألف رغيف خبز كل يوم”، مضيفة "لكننا الآن وصلنا إلى حدود الممكن، حيث نفدت المكونات اللازمة لإعداد الوجبات اليومية من مطابخنا الميدانية”، كما أشارت إلى نفاذ الدقيق.

هذا وقد لوحظ مؤخرا اضطرار العديد من "تكايا” الطعام، التي تسميها المنظمات الدولية "المطابخ المجتمعية”، إلى التوقف عن العمل، بسبب نفاذ ما لديها من مخزون، وهذا الأمر يزيد من حالة التزاحم على ما تبقى من "تكايا” طعام، حيث يضطر السكان إلى الذهاب إليها للحصول على ما تيسير من طعام، وبات هذا الأمر واضحا في العدد الذي يقف أمام تلك "التكايا” يوميا، ويتزاحم هناك السكان كثيرا للحصول على الوجبات الساخنة، ما أدى مؤخرا إلى وقوع إصابات عدة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت لقطة مصورة لطفل أغمي عليه من التزاحم قبل الحصول على نصيب أسرته من الأكل، فيما اشتكى كبار سن من تعرضهم لإصابات في الصدر.

عروض استبدال الأغذية

وفي محاولة من الأسر التعايش مع هذه الازمة بالحد الأدنى من الطعام، عرض أرباب أسر عمليات مبادلة طعام للحصول على كميات قليلة من الدقيق، وطلب أحدهم مبادلة كليوغرامين من السكر بمثلهم من الدقيق الخالي من السوس، أو بثلاثة كيلو غرامات من الدقيق الفاسد، وقد ترك من أجل إتمام العملية رقما للتواصل معه.

كما عرض آخرون استبدال مواد معلبة بكميات قليلة من الدقيق، وقد لوحظ أن طلب البدل والحصول على كميات الدقيق بعرض الحصول على كيلوات قليلة، يشير إلى أن الأسر تدبر فقط قوتها اليومي، حيث لا تكفي الكميات المطلوبة سوى لمرة واحدة، ما يدلل على أن ما لديهم من مخزون شارف على النفاذ.

بسبب خطورة الوضع الغذائي، أعلن رئيس الوزراء محمد مصطفى، قطاع غزة "منطقة مجاعة”، وطالب المنظومة الأممية بكاملها أن تُفعّل آلياتها فورا، وأن تتعامل مع غزة كمنطقة مجاعة، بما يستتبع ذلك من تدخل دولي عاجل

وبسبب قلة الدقيق، اضطرت أسر لطحن الأرز أو العدس مع المعكرونة، لصناعة الخبز، غير أن ما يتم تجهيزه من هذه الكميات لا يناسب متطلبات الأسر وخاصة الأطفال، وتؤكد أمهات التقتهن "القدس العربي” أنهن يخصصن يوميا رغيفا واحدا لكل فرد من الأسرة، وقالت إحداهن وتدعى أم محمد إنها تتقاسم رغيفها مع زوجة ابنها المرضعة، وقد اشتكت من عدم توفر أي حليب صناعي لحفيدها في هذا الوقت، فيما تضطر أخريات إلى اقتسام رغيفهن مع أطفالهن الجياع.

وبسبب خطورة الوضع الغذائي، أعلن رئيس الوزراء محمد مصطفى، قطاع غزة "منطقة مجاعة”، وطالب المنظومة الأممية بكاملها أن تُفعّل آلياتها فورا، وأن تتعامل مع غزة كمنطقة مجاعة، بما يستتبع ذلك من تدخل دولي عاجل ورفع فوري لكل القيود التي تمنع الإغاثة، وقد حمل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، المسؤولية الكاملة عن الكارثة الإنسانية المتعمدة في غزة.

ومؤخرا أعلن في قطاع غزة عن ارتفاع الوفيات بسبب سياسة التجويع إلى 57 شهيداً، فيما العدد مرشح للزيادة في ظل إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات وحليب الأطفال والمكملات الغذائية، وبسبب تضاعف المجاعة، غزة أعلنت الأمم المتحدة رفضها استخدام المساعدات كـ "سلاح”، وقالت إن الجوع يدفع الناس لـ "نبش القمامة، محاولين العثور على شيء صالح للأكل”.

"القدس العربي”:

مواضيع قد تهمك