د محمد كامل القرعان : الدبلوماسية الهاشمية: هندسة التوازن الأردني في جغرافيا اللايقين الإقليمي

في منطقة تزداد اضطرابًا وتقلّبًا، استطاع الأردن بقيادته الهاشمية أن يحجز لنفسه مكانة راسخة، تُحترم وتُحسب في ميزان السياسة الإقليمية والدولية. فالدبلوماسية الأردنية، ومنذ عهد الملك الحسين طيب الله ثراه، مرورًا بجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، عُرفت بقدرتها على المناورة الذكية، دون التورط في الاستقطابات الحادة التي مزّقت الجغرافيا العربية.
وما يميز السياسة الخارجية الأردنية أنها قائمة على ثوابت واضحة: دعم الحقوق الفلسطينية، احترام سيادة الدول، رفض التدخل في الشؤون الداخلية، والدعوة الدائمة إلى الحوار والاعتدال. هذه الثوابت مكّنت الأردن من أن يكون صوتًا نزيهًا وعقلانيًا في زمن صاخب، ووسيطًا موثوقًا في كثير من الأزمات.
ومن أبرز ما يثبّت حضور الأردن السياسي، هو موقفه الثابت من القضية الفلسطينية، ليس فقط من منطلقات سياسية، بل من منطلقات دينية وتاريخية ترتبط بالوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس. لقد حمل جلالة الملك عبدالله الثاني هذا الملف في كل المحافل الدولية، رافضًا أي حلول مجتزأة أو تسويات لا تنصف الفلسطينيين. ورغم ضغوط كبرى، ظل الأردن صامدًا في مواجهة مشاريع تصفية القضية.
ورغم أن الأردن حليف استراتيجي للولايات المتحدة ودول الخليج، إلا أن قراره السياسي ظل حرًا ومستقلًا. عارض الأردن "صفقة القرن"، وأكد مرارًا على حل الدولتين، ورفض كل محاولات فرض واقع جديد في القدس. كما أنه نسج علاقات دبلوماسية متوازنة مع أطراف متعددة، من الصين وروسيا إلى أوروبا، دون أن يقع في فخ التبعية أو الاصطفاف الأعمى.
ولم تكن الدبلوماسية الأردنية سياسية فقط، بل إنسانية أيضًا. فالأردن فتح أبوابه للاجئين رغم ضيق موارده، وقدم نموذجًا للدولة المضيفة المسؤولة. كما كان سبّاقًا في تقديم المبادرات السلمية والحلول الوسط، إدراكًا منه أن لا أمن دون سلام، ولا استقرار دون عدالة.
ختامًا:
الأردن لا يملك موارد طائلة، لكنه يملك ما هو أثمن: الشرعية، والمصداقية، والقيادة الحكيمة. فالدبلوماسية الهاشمية ليست مجرد أداة لإدارة العلاقات، بل رؤية متكاملة تُجسد هوية الدولة الأردنية كدولة عقل ومنطق وسلام. وفي زمن الاستقطاب، يبقى الأردن علامة فارقة في السياسة العربية، بحكمة قيادته وشجاعة موقفه.
* أكاديمي ومحلل سياسي وإعلامي