رمزي الغزوي : كشمير وحلمها المذبوح

علمتنا خرائط الدم أن الجراح التي يُفرض عليها النسيان لا تموت، بل تغدو براكين خامدة تتحين اللحظة المناسبة للانفجار. كشمير ليست بقعة منسية على أطراف الخريطة، بل ندبة كبيرة في وجه العالم، وشاهدة على خيانة التسويات الهشة، وغطرسة المنتصرين.
حين وقعت لجان الأمم المتحدة عام 1949 اتفاقات تقسيم الإقليم، كانت تأمل بسكون مؤقت يقترب من التخدير، لكن الزمن لم يكن يوما صديقا للمجاملات. خط السيطرة لم يكن أكثر من شق رملي في أرض تغلي بالغضب، بينما حلم الاستقلال ظل معلقا على حبال واهنة لا تسند وزنا ولا تمنح أملا.
الهند التي علا فيها شأن آيديولوجية «الهندوتفا» بعد وصول حزب «بهاراتيا جاناتا» ترى في كشمير قطعة لا تنفصل عن جسدها، ولهذا فهي خائفة من خيار الشعب الكشميري فيما لو منح الحرية أن يختار مصيرا آخر، فيما اعتبرت باكستان أن الإقليم عنوان للكرامة لا يقبل المقايضة، وأقسمت ألا تتركه فريسة للنسيان. وهذا صراع لا آفاق تلوح لانطفائه.
ألغت الهند الحكم الذاتي لكشمير وجامو، وفتحت أبواب الإقليم أمام سياسات التغيير الديموغرافي، وكأن التنوع لعنة يجب محوها بالقوانين والمراسيم والإجراءات الإدارية. على الجانب الآخر، لم تبق باكستان متفرجة، فالغضب الذي كان يوما مشتعلا في القلوب تحول إلى حركات مسلحة، تتكاثر في الظلال، تحمل رايات التحرر، وتصبغ حلم الحرية بلون الدم.
واليوم وفي كل انفجار يهز الإقليم، يكون السيناريو جاهزا: اتهام باكستان، اعتقالات بالجملة، هدم لمنازل الفقراء، وشيطنة لكل صوت لا يرفع شعار الولاء الكامل. الحقيقة تضيع بين الصخب، فلا أدلة تظهر ولا تحقيقات تنصف، وكأن الحقيقة نفسها أصبحت عبئا ثقيلا لا يريد أحد حمله. وهنا يمضي العالم في انشغاله، وتبقى كشمير أسيرة دائرة مفرغة من الاتهامات والقمع والخذلان.
هذا الإقليم لا يختصر بنزاع حدودي. هو مرآة تعكس فشل المنظومة الدولية في حماية الضعفاء من جشع الكبار وشهوات توسعهم. والشعب هناك يقف عاريا في مهب الوجع والضياع، وينسحق بين مطرقة الاحتلال وسندان التجاهل العالمي، محروما حتى من أن يحلم بوطن يشبهه.
والسؤال اليتيم في سماء معتمة: متى يكف عالمنا المتحضر عن دفن آلام الآخرين تحت موائد المصالح؟ ومتى يكف الأقوياء المتغطرسون عن تحويل الأرض إلى وقود لحروب تقصي أحلام الإنسان؟ ــ الدستور