محمود الزيودي يكتب : حكايا عن المخابرات 4 - 7

* الفاشلون في زيارة عمان
وصل الكنديون الى عمان على متن رحلات جوية مختلفة من مدن مختلفة.. اعطوا انطباعا عن سياح يحملون الكثير من المال ويرغبون بزيارة البتراء وجرش ووادي رم.. حينما استقروا في فندق الاردن انتر كونتننتال قدموا جوازات سفرهم الكندية كما فعل زملائهم في دبي عندما اغتالوا محمود المبحوح.. حينما اجتمعوا في واحدة من غرف الفندق أغلقوا الباب باحكام ورفعوا صوت التلفزيون وتكلموا باللغة العبرية.. وضعوا لوازم عملية الاغتيال مع خريطة لشوارع عمان على طاولة زجاجية وبدأوا التحضير للعمل..
الهدف اغتيال خالد مشعل أحد قادة حماس الذي غادر الكويت بعد احتلالها من قبل صدام حسين.. مسرح العملية شارع وصفي التل المشهور بالجاردنز في عمان..
في ذلك الزمن كان المغفور له الملك الحسين بن طلال أقرب الزعماء العرب الى حركة حماس.. كان موسى ابو مرزوق رئيس حركة حماس سجينا في أمريكا.. طالبت به اسرائيل ثم ألغت الطلب خوفا من زيادة عمليات حماس الانتحارية في اسرائيل.. احتارت أمريكا ماذا تفعل بأبو مرزوق ووصفته صحيفة نيويورك تايمز انه قنبلة دبلوماسية موقوتة.. استعد الحسين لأخذ ابو مرزوق تحت جناحه في عمان.. كان الحسين قد بدأ اتصالا مع حماس وانتزع منها هدنة مع الاسرائيلين لمدة ثلاثين عاما وأخبر بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل وانتظر رده.. وكان الرد دواء معقد رشه احد السياح الكنديين في اذن خالد مشعل..
وصف الدواء بأنه سر دولة بالنسبة لاسرائيل.. فهو يقضي على الضحية دون ان يترك أثرا يظهر في الاختبار او التشريح.. يوم 25 سبتمبر عام 1997، جاء خالد مشعل الى مكتبه (مسرح العملية) كان الاسرائيليون بانتظاره.. أخطأوا برش كامل سم الفنتالين في اذن الضحية.. هربوا ولاحقهم حارسه محمد ابو سيف وانتهى الاشتباك في مديرية أمن وادي السير..
بنفس الوقت جاء الى عمان داني ياتوم رئيس جهاز الموساد ليبلغ الحسين انهم المسؤولين عن اغتيال خالد مشعل الذي سيموت اليوم او غدا.. تحركت المخابرات الاردنية وعزلت اثنين من عملاء الموساد شون كيندال وباري بيدز المقبوض عليهم.. أمر الحسين بنقل خالد مشعل الى مدينة الحسين الطبية في محاولة للابقاء على حياته.. وهدد داني ياتوم بأن اتفاقية السلام مع اسرائيل ستنتهي.. وسيشنق العميلين المقبوض عليهم بعد تقديمهم للمحاكمة.. نشطت الصحفية رندة حبيب مديرة مكتب وكالة الصحافة الفرنسية في عمان بسرد أخبار متتابعة عن الحادثة.. وهكذا عرف الكنديون أن جوازات سفرهم استعملت لاغتيال خالد مشعل في عمان.. قامت القيامة في اوتاوا واستغلتها المعارضة لارباك الحكومة..
هرب اربعة من رجال الموساد الى السفارة الاسرائيلية فقام اللواء الأمير عبدالله بن الحسين قائد القوات الخاصة بمحاصرتها ومنع الدخول والخروج منها.. قبض على طبيبة اسرائيلية ترافق فريق الاغتيال وتحمل ترياقا للسم لانقاذ اي واحد من الفريق يخطئ في التعرض للسم خلال العملية.. ولكن الطبيب بسام العكشة والطبيب سامي ربابعة لم يثقا بالترياق الذي ربما يكون سمّا لاكمال القضاء على مشعل.. ارسلا الدواء الى مختبرات المدينة الطبية وقد نجحا في ابقاء مشعل على قيد الحياة مؤقتا.. حاول نتنياهو الاتصال بالحسين أكثر من مرة ولكن الحسين تجاهل الهاتف القادم من الضفة الأخرى للنهر.. قرعت اجراس الهاتف في واشنطن وعمان والقدس وأتاواه.. اجبر نتنياهو على ارسال تركيبة السم الى مدينة الحسين الطبية في عمان مع وصفة للعلاج منه..
تحسنت صحة مشعل فيما كان الحسين يفرض شروطه على نتنياهو وحكومته.. استبدل عميلي الموساد بمؤسس حركة حماس الشيخ احمد ياسين الذي يقبع في سجون اسرائيل واشترط الحسين عودة أحمد ياسين الى منزله في غزة.. والافراج عن جميع السجناء الأردنيين في اسرائيل بالاضافة الى مجموعة من السجناء الفلسطينيين من حماس وفتح..
قال خالد مشعل في مقابلاته الاعلامية بعد شفائه إنه مدين للملك الحسين بحياته.. سخرت المخابرات الغربية من فشل الموساد في عمليتها بالاردن.. أما في داخل الموساد فقد صحّف كبار الضباط اسم رئيسهم داني ياتوم الى داني يتيم.. وكان اليتيم قد غادر الجهاز الى غير رجعة.. دعي السفير الكندي الى قصر الحسينية على غداء من مشاوي مشكلة وخبز مشروح بمعية الحسين الذي أهداه جوازات السفر الكندية التي استعملها رجال الموساد.. طارت الجوازات من عمان الى كندا تحت حراسة مشددة حتى في مطار شارل ديغول في باريس.. كان الخوف أن تقوم الموساد بخطف الجوازات لاسباب كثيرة..
لم لا نطرف القراء ببعض أخلاق الصفوة الحاكمة في اسرائيل عندما جاءوا للمشاركة في جنازة القرن للمغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال.. خصصت التشريفات الملكية مناطق تجمع للعديد من الدول التي شارك رؤسائها في تشييع جنازة الحسين.. كانت منطقة التجمع للامريكيين والإسرائيليين في مكتب الملكة نور.. يصف جاك اوكونيل أن أعضاء الوفد الاسرائيلي لم يسبق لهم ان اجتمعوا معا في غرفة واحدة.. جلس ارييل شاروون على الدرج يدخن.. قال رئيس الدولة الاسرائيلية وايزمن لاحد اعضاء الوفد الأمريكي وبصوت مرتفع وهو يصف نتنياهو.. ان ابن ........ ذاك القابع هناك ووصف نتنياهو بأشنع الالقاب وبصوت مرتفع.. ولم يكن نتنياهو بعيدا وقد سمع وتجاهل بصورة كاملة ولم يرد.. يضيف اوكونيل أن العاقل عندما يستمع لتعليقات وايزمن وغيره من الزعماء الاسرائيليين يظن انه في مصحة مجانين..