لما جمال العبسه : قرارات اقتصادية ...»خبط عشواء»

لا شك في اهمية الاقتصاد الامريكي وتأثيره على الاقتصاد العالمي، فلديه الدولار العملة العالمية المهيمنة، كما يعتبر اكبر سوق استهلاكية عدا عن انه اكثر الاسواق تنافسية ويتمتع بدرجة عالية بسهولة الاعمال وثقة المستثمرين، الا انه كباقي الاقتصادات لديه حساسية عالية من القرارات الصعبة ذات المنظور قصير الامد، والممتدة التأثير عليه.
عدة قرارات صعبة اتخذتها الادارة الامريكية الجديدة والتي اعتمدت سياسة التعريفات الجمركية وزيادة نسبتها بشكل مؤثر جدا على الواردات الامريكية، والهدف منها بحسب الادارة الامريكية تحقيق مبدأ «امريكا اولا» من خلال جعل عملية التوريد لامريكا مكلفة جدا على المصنعين وبالتالي التفكير في القدوم الى هناك والاستثمار في السوق الامريكية لتخفيف الكلف عليها من جانب وتقديم حوافز استثمارية لهم، واخر هذه القرارات رفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب والالمينيوم والذي دخل امس الاربعاء حيز التنفيذ.
أرادت الادارة الامريكية الجديدة فرض هيمنتها على الاستثمار العالمي والتجارة العالمية بما يخدم مصالحها من وجهة نظرها، على اعتبار ان السوق الامريكية كاستهلاك هي الاهم في العالم، وان 340 مليون مستهلك هم من سيتحكمون بشكل التجارة العالمية، ونسيت ان هناك اكثر من 7.5 مليار مستهلك خارج حدود الولايات المتحدة الامريكية وبشكل او باخر قد يحددون شكل التجارة والاستثمار حول العالم.
عشر سنوات مضت تغيرت فيها خارطة الاقتصاد العالمي بشكل ملفت للنظر، وتشكلت منظمات وتحالفات عالمية ضمت دولا على اساس قوتها الاقتصادية او التقائها في انتاج مواد مطلوبة بقوة عالميا، وكلها تهدف الى الخروج من عباءة التحكم الامريكي في الاقتصاد العالمي والنظر بشكل اعمق في مصالح بلدانها وشعوبها وتحقيق مزايا اقتصادية قطرية واقليمية تجنبها ويلات وتداعيات قرارات من هذا النوع.
بعد هذه القرارات الامريكية توجهت دول الى تغيير مسارها التصديري وفتح اسواق جديدة او تعزيز تصديرها لاسواقها القائمة من خلال اتفاقيات عادلة لكافة الاطراف وبالتالي تعويض جزء من خسارة السوق الامريكية التي بالطبع لاتزال مهمة جدا، والبعض الاخر، عزز اقتصاده بشكل كبير من خلال توفير حوافز استثمارية لتنويع وتوسيع استثمارات الشركات الكبرى وساعدها في ايجاد بدائل اكثر وفرا على المدى المتوسط والطويل من السوق الامريكية.
اما اخرون فقد قاموا من خلال تحالفاتهم بفتح اسواق جديدة لمنتجاتهم بل والاستثمار فيها بمبالغ كبيرة جدا لتعويض الخسائر المؤقتة التي تنجم عن القرارات الاقتصادية الامريكية التي لا ترى الا مصالحها الضيقة قصيرة المدى، والقائمة على الاضرار بالاخر.
وقد قامت تحالفات دولية بدراسات معمقة لاثر هذه القرارات ورأت ان تأثيرها لا يتجاوز نسبا ضئيلة للغاية على فترة سنة الى سنتين على اقصى تقدير، ذلك انها ستعمل جاهدة على ايجاد بدائل وان كانت محدودة لتقليص المخاطر.
استعرضنا سابقا التوقعات في المستقبل القريب على الولايات المتحدة وشركائها التجاريين حول العالم، الا انه وبالمجمل وبحسب اقتصاديين امريكيين فان الاثر سيكون سلبيا ومضاعفا على المستهلك الامريكي وعلى سوق العمل في الولايات المتحدة الامريكية وعلى عودة التضخم من جديد.
واذا ما نظرنا الى حركة التجارة العالمية وان تأثرت نوعا ما فان حجمها لا يزال ينمو، ولم يتراجع، بمعنى ان هذه القرارات الامريكية خلقت واقعا لنظام اقتصادي جديد، هذا الواقع فرض اسلوبا جديدا في التعامل، قائما على مبدأ التفاوض الاستباقي ليكون وسيلة مجدية للرد، كما سيفرض اسلوبا جديدا تتبناه الدول ذات الاقتصادات النامية من حيث تبني استراتيجيات مرنة للتكيف مع متغيرات الاقتصاد العالمي بناء على هذه القرارات التي يمكن وصفها بـ»خبط عشواء». ــ الدستور