بشار جرار : «إيه دي إتش دي» سياسي!

هو من الأمراض الرائجة لا الشائعة. صار من لوازم الاغتراب الثقافي وتوابع العولمة ومضاعفات الرقمنة. لست في موقع طبي ولا علمي ولا معرفيّ، يؤهلني وبالتالي يخولني، الحق في طرح موضوع المقالة من الزاوية الطبية، وإن كان لا بد من إشارة في صيغة شهادة على تجارب عرفتها عن قرب من ضحايا وأسر ضحايا هذا المرض أو العرض الذي لطالما تمت إساءة تشخيصه والإفراط في معالجته.
إنه مرض أو عرض أو «اضطراب» نقص الانتباه مع فرط أو تشتت النشاط الحركي أو الذهني أو كليهما لدى الأطفال واليافعين. بمعنى أن من كنا نعتز بهم أيام زمان بقولنا أن فلانا «شاق الأرض وطالع منها» أو أن علنتانا كما «الديك الفصيح طلع من البيضة يصيح»، كل هذا ما عاد مدعاة للفخر بل مجلبة للقلق وربما ما هو أقصى من التهميش والعزل الاجتماعي. «إيه دي إتش دي» مرض كرست له كتب ودراسات ومقالات علمية محكمة فيها من تجرّأ على الشائع المألوف وقال إن في الأمر ثمة مبالغة لغايات تسويقية لا تقتصر على ترويج بعد العقاقير والمكمّلات الغذائية بل وحتى -والعياذ بالله- أصناف معينة من السموم المسماة المخدرات، تلك التي تقوم على التحفيز ولا أريد التفصيل لأسباب تتعلق بالحرص على التوعية ومكافحة السموم والأشرار كالكبتاغون وتنظيمات ونظم العار التي تتعاطى مع تجارتها.
كما في السكري وضغط الدم والأرق وشدة الانفعال واضطرابه العاطفي والسلوكي أو ما نصفها بالعامية «النرفزة والعصبية» أو «الدم الحامي» بالمعنى الخاطئ للتوصيف، فإن كثيرا من الأمراض بالإمكان النجاة منها ومن شرور وآلام أعراضها بالوقاية. في حالة «الإيه دي إتش دي»، من الطبيعي بل والحتمي الإصابة بذلك المرض إلى الحد الذي يجلب معه دوامة من الأمراض الأكثر خطورة، في حال استمرار التعرض أو التعريض لكل ما من شأنه تحقق شطري المرض: نقص الانتباه وفرط أو تشتت الحركة. هو كاللاعب الذي يقضي أياما في التدريب وساعات في الإحماء تتخللها وصلات وجولات من الشحن والحشد والتعبئة العاطفية فردية أو جمعية من جماهير الملاعب أو «الألترس»، ليدخل الميدان وهو منهك مشتت يوجه ذراعيه ويركل بقدميه اللكمات والركلات فلا تكون أي منها ترجيحية بل في الهواء حتى يعاجلها الخصم المحترف بضربة واحدة قاضية.
بعض القوى السياسية -محليا وعالميا- من فرط حركتها وتشتت حراكها تعاني من مرض عضال رأس جبله الجليدي نقص أو ضعف الانتباه، وأحيانا انعدام الرؤيا والرؤية بالتمام والكمال!
ما يبرر هذا الاتهام أو الافتراض هو الإصرار على تجريب المجرّب والحرص على تضييع الفرص ،لا بل وتبديد الجهود القادرة على توظيفها أو إيجادها فضلا عن استهداف كل عود أخضر يبشّر بغصن يطرح ثمرا مباركا.
ما لم يعد محتملا هو إسكات الشهود وليس ما اقترف بحق الوطن والمنطقة وربما العالم بأسره من «إسكات التاريخ»، إسكات أفسح المجال أمام شهّاد الزور للافتراء بكل شيء وعلى الجميع. من حق الجمهور، خاصة إن كان مطالبا بدفع الفاتورة من دمائه لا من قوت عياله ومدخرات شيخوخته فقط، من حق الناس أن تقول كفى بوجه شلل «إيه دي إتش دي» السياسي، ولا يتحقق ذلك إلى بقطع ما يلي: السكريات (ما يمدها بأسباب النشوة الكاذبة والبهورة الكذّابة)، والمحفّزات تلك التي تبدأ بتضخيم الذات ونفخها على حساب حجمها الطبيعي وفضائها المتاح، فتفضي إلى البهورة والخزعبلات والعنتريات)، وأخيرا ضرورة قطع حبال التلاعب بالحس الفردي والجمعي خلافا لمقولة «شعرة معاوية»، فبعض تلك القوى لا بد من تقطيع حبائلها حتى لا ينقطع حبل الودّ الذي يتيح أمام المتهورين من فرط الحركة وضعف الانتباه فرصة الإياب الآمن الغانم، ويا دار ما دخلك شر بعد خراب مالطا والتوسل على أبواب يالطا!!
هل نسيت ذكر أسمائهم؟ كلا ما نسيت. أعني أولئك الذين يدمنون الاجترار وأشياء أخرى من الفصيلة ذاتها على مستوى أكثر دنوا من الاستهتار فالانحدار إلى حتى الانتحار والاندثار! مع احترامنا لمرضى «الإيه دي إتش دي» السياسي، هذا ليس من حقهم، فالمصائب والكوارث المترتبة على حراكهم عمت الجميع، ومن حق الناس الدفاع عن حاضرها ومستقبلها كما تراه هي لا سواها، خاصة من خارج المملكة.. «مش عيب عليهم»؟! ــ الدستور