الاب رفعت بدر : في التقاء الصيامين المسيحي والمسلم

تحتاج النفوس من فينة إلى أخرى إلى لحظات روحانيّة، تهذّب النفس وتدعو إلى التوبة والرجوع إلى الله عزّ وجلّ. ومن أكثر الأزمنة غنىً وتنقية هو زمن الصوم السنويّ الذي تتوحّد التعاليم الدينيّة على أهميّته بالنسبة لنمو الإنسان الروحيّ، كمرافق لنموه الجسدي.
ومن محاسن الصدف هذا العام أنّ يطلّ الصومان معًا، أعني الصوم المسلم في رمضان والصوم المسيحيّ في الزمن الأربعيني. وتوافق التوقيت هو صورة عن توافق القلوب العابدة لله الرحيم المحب الواحد. وهذه ليست المرّة الأولى، لكن الالتقاء هذا العام يحظى بإشادة جماهير السوشال ميديا، والعديد من الأشخاص الرسميين الذين هنأوا أتباعهم بالصومين معًا، تمامًا كما فعل الرئيس اللبناني، المبشّر بالخير لبلاده، جوزيف عون، بتغريدة له: «جميل أن يتزامن بدء شهر رمضان المبارك عند الأخوة المسلمين، مع بدء الصوم الكبير لدى المسيحيين، فيتشارك اللبنانيون على اختلاف طوائفهم معاني القيم الروحيّة التي يجسّدها الصيام الذي يعتبر أعلى تعبير عن الإرادة».
ومن جميل القول أيضًا تطابق الصوم لدى الكنائس السائرة على التقويمين الشرقي والغربي حيث يبدأ الجميع معًا صومهم هذا الاسبوع، وسيعيدون عيد الفصح –القيامة- معًا في العشرين من نيسان المقبل.
وتبقى الطقوس الدينيّة هي المعنى الأوّل لزمن الصوم، فالصلوات تكثف في المساجد والكنائس، ويشعر المرء الصائم بأنّ صومًا ماديًا ظاهرًا، لا يكفي وحده لإكمال فرائض هذه الفترة المقدّسة، فيقرنها بتكثيف الصلوات التي لها طعم خاص وطقوس جميلة اعتدنا عليها منذ الصغر، ونأمل أن يمكنّنا الخالق لتسليمها أمانة للأجيال المقبلة.
ويقترن الصوم والصلاة بعمل الخير، أو الزكاة أو الصدقة، فتكثر النشاطات التي يجمع ريعها للفقراء أفرادًا أو عائلات. وفي عملنا الرعوي مع عائلاتنا العزيزة، ندرك بأنّ الله تعالى قد شاءت عنايته أن يكون هنالك عائلات ميسورة الحال وعائلات فقيرة. ولسنا هنا لمناقشة آفة الفقر وواقعه المرير، لكننا نرى في هذا الزمن مناسبة للتفكير بالآخرين؛ «فما توفره بالصيام ليس ملكًا لك، وإنّما هو حق لأخيك الفقير». هذا شعار نطلقه سنويًّا في الكنائس، ويلقى تجاوبًا كبيرًا.
وفي الوقت الذي ننتظر فيه الجمعة القادم لنقرأ رسالة وتهنئة الفاتيكان في شهر رمضان، كما في كلّ سنة (في الجمعة الأولى من رمضان) فإنّنا نركّز على رسالة الصوم في هذا العام التي وقّعها البابا فرنسيس شفاه الله، وهو على سرير الشفاء منذ ثلاثة أسابيع، وعنوانها المتوافق مع سنة اليوبيل هذه، أو سنة الرجاء: «نسير معًا في الرجاء». وبثّ فيها ثلاث أفكار لزمن الصوم هذا العام: أولاً إنّ شعار اليوبيل «حجّاج الرجاء» يطلب منا أن نكون أوفياء لمبادئ ديانتنا، وأن نقوم بشعائرنا في هذه الفترة بنشاط وليس بفتور. ثانيًا هي عملية خروج من الذات لنذهب حول الله تعالى ونحو الأخوة، وليس الانغلاق على أنفسنا! وثالثًا هي دعوة إلى التوبة والرجوع إلى الله بعد الخطايا الجماعيّة في الحروب، والخطايا الفرديّة التي ليس بإنسان معصوم عنها.
زمن صوم أربعيني مباركًا للمسيحيين في العالم، وباسمهم نرفع أجمل الأمنيات لأخوتنا المسلمين في وطننا العربي والعالم أجمع برمضان كريم ومبارك على الجميع. ــ الراي
Abouna.org@gmail.com