اسماعيل الشريف يكتب : التهجير الطوعي

«كل شيء له ثمن، إلا الكرامة، فهي لا تُقدَّر بثمن.» – كانط
بتاريخ 6/4/2024، نشر موقع «تايمز أوف إسرائيل» تقريرًا يفيد بأن مسؤولين من وزارة الخارجية الصهيونية، إلى جانب مسؤولين في الموساد، أجروا محادثات مع رواندا وتشاد لقبول ترحيل فلسطينيين إليهما مقابل حزمة مساعدات مالية وعسكرية سخية. ورغم أن الدولتين لم تصدرا قرارهما بعد، فإنهما وافقتا على استمرار الحوار، بينما رفضت جمهورية الكونغو الديمقراطية مجرد مناقشة هذا الموضوع.
تعتمد هذه الاستراتيجية على تقديم إغراءات مالية كبيرة للفلسطينيين الراغبين في مغادرة القطاع، في الوقت الذي تعمل فيه الأجهزة الصهيونية على عقد اجتماعات مع محامين في دول عدة لتسهيل استقبالهم.
ولا شك في أنّ أحد الأهداف الواضحة للإبادة الجماعية التي ارتُكبت في غزة كان تهجير سكانها، وهو ما لم يُخفِه الساسة الصهاينة. فقد صرّح وزيرا المالية والأمن القومي في حكومة الاحتلال، سموتريتش وبن غفير، مرارًا برغبتهما في ترحيل الفلسطينيين وإفراغ القطاع من أهله. أما نتن ياهو، فقد قال في ديسمبر 2023 إن «مستقبل غزة يجب أن يكون مختلفًا»، وهو تصريح فُسِّر على أنه تلميح إلى تغييرات ديمغرافية مرتقبة في غزة.
ولتنفيذ هذا المخطط، نفّذ الكيان على مدى خمسة عشر شهرًا عملية تدمير ممنهجة استهدفت المستشفيات والمدارس ومستودعات الأغذية، وفق خطة مدروسة تهدف إلى جعل غزة مكانًا غير صالح للحياة، مع فرض حصار خانق ومنع دخول المساعدات.
وفي خضم هذه الإبادة، أنشأت الولايات المتحدة رصيفًا بحريًا من اهدافه تسهيل «التهجير الطوعي» لسكان غزة الراغبين في مغادرتها إلى أوروبا، بتكلفة بلغت 320 مليون دولار. لكن المشروع مُني بفشل ذريع بسبب الأمواج العاتية والرياح القوية، ما أدى إلى تفككه، وانفصال أربع سفن دعم عن مراسيها وجنوحها على طول السواحل الشمالية لغزة. كما واجه الرصيف صعوبات تشغيلية ولوجستية، فضلًا عن مخاوف أمنية تتعلق بعمال الإغاثة، ما أسفر عن انهياره التام. واليوم، لا يزال الكيان، بدعم من الولايات المتحدة، يدفع باتجاه التهجير الطوعي لسكان غزة بعد فشل تهجيرهم بالقوة. وقد مارست واشنطن ضغوطًا على الأردن ومصر لاستقبال الغزيين، لكنها اصطدمت بموقف صلب رافض. لذا، لجأت إلى البحث عن بدائل متعددة، عارضةً مبالغ سخية لأي غزيّ يرغب في المغادرة.
وفي هذا السياق، يقرر نتن ياهو إفشال المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة عبر فرض حصار خانق على غزة، ومنع إدخال المساعدات، وفرض شروط تعجيزية على حماس مقابل السماح بوصول الإغاثة. وفي مرحلة لاحقة، يُتوقَّع تصعيد القصف الجوي على غزة، بالتزامن مع فتح ممرات آمنة لمن يرغب بالخروج. وأُرجِّح أن هناك دولًا باتت مستعدة لاستقبال أعداد من الغزيين.
لكن الصهاينة لا يتعلمون من دروس التاريخ. فعندما دُمّرت مدينتا وارسو البولندية ودريسدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، لم يُجبر سكانهما على الرحيل، وما زالتا حتى اليوم تنبضان بالحياة. فكيف يمكن لهم أن يقتلعوا الفلسطينيين من أرضهم التي عاشوا فيها منذ ثلاثة آلاف عام، وقد ذاقوا الأصعب؟ ــ االدستور