د. يزن دخل الله حدادين : تراجع ترامب وأثره على غزة

بعد تراجع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن اقتراحه بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن، يبدو أن الأوضاع السياسية في المنطقة دخلت مرحلة جديدة من التشابك والتعقيد. فما الذي يعنيه هذا التراجع، وكيف يمكن أن يؤثر على المستقبل السياسي للفلسطينيين والعلاقات بين الدول المعنية؟
في البداية، يجب أن نفهم أن فكرة تهجير الغزيين في جوهرها تثير تساؤلات حول حقوق الإنسان، وتُعد خرقًا صارخًا للشرعية الدولية التي تضمن للفلسطينيين حق العودة وحق الاستقرار في أراضيهم. لكن هذه الفكرة كانت جزءًا من خطة صفقة القرن التي طرحتها إدارة ترامب الأولى، والتي كانت تهدف إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي في الشرق الأوسط بما يتناسب مع المصالح الأميركية والإسرائيلية. عندما عاد ترامب وطرح فكرة نقل الفلسطينيين من غزة إلى الأردن، كان ذلك جزءًا من إطار واسع للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات في ظل غياب حل سياسي ح?يقي. ولكن هذا النهج فشل مرة أُخرى في جذب التأييد الدولي، لأنه لا يتناسب مع المبادئ التي يروج لها القانون الدولي وحقوق الإنسان، مثل عدم جواز التهجير القسري.
وإذا نظرنا إلى الوضع الحالي، فإن تراجع ترامب يمكن أن يكون مؤشرًا على عدة أمور. قد يكون هذا التراجع نتيجة لمقاومة شديدة من القوى السياسية الإقليمية والدولية التي رفضت بشكل قاطع فكرة التهجير.
الأردن، على سبيل المثال، كانت دائما في موقف رافض لمثل هذه الخطط، خوفًا من تغيير التركيبة السكانية في البلاد وحفاظًا لحقوق الفلسطينيين في بناء دولتهم. كما أن الفلسطينيين في غزة، وبقية الأجزاء الفلسطينية، يرفضون تمامًا أي فكرة تهدف إلى محو هويتهم الوطنية وتهجيرهم من أرضهم.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هذا التراجع جزءًا من ديناميكيات داخلية في الولايات المتحدة الأميركية، حيث أن فكرة التهجير، رغم دعمها من بعض الأطراف، كانت تثير غضبًا شديدًا في أوساط الرأي العام الأميركي والدولي. ويبدو أن هناك توجها أكبر نحو إعادة ضبط السياسة الأميركية في المنطقة، والتركيز على الحلول التي تحترم الحقوق الأساسية للفلسطينيين. من هنا، فإن الرؤية الأميركية للقضية الفلسطينية ما زالت تواجه تحديات كبيرة، والعدول عن اقتراحات مثل التهجير قد لا يعكس تحولًا جوهريًا في السياسة الأميركية، بل مجرد تعديل في الأسا?يب.
ولكن ماذا عن مستقبل غزة والفلسطينيين؟ بالرغم من تراجع ترامب، فإن الأوضاع على الأرض لم تتغير بشكل جوهري. غزة تعيش تحت حصار خانق، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والانسانية تتفاقم. في الوقت نفسه، لا يبدو أن هناك أي تقدم حقيقي في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. في هذا السياق، يتزايد التشكيك في قدرة المجتمع الدولي على إيجاد حلول فعّالة ومستدامة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
إن الواقع الذي يواجه الفلسطينيين في غزة اليوم يتطلب من الدول العربية أن تتبنى مواقف أكثر وضوحًا وفعالية تجاه حقوق الفلسطينيين في العودة والعيش بكرامة. الحلول الممكنة يجب أن تتجاوز الأفكار الخارجية التي قد تحاول تغيير الواقع الديموغرافي بالقوة، بل يجب أن تكون قائمة على مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
في الختام، يمكن القول إن تراجع ترامب عن فكرة تهجير الغزيين إلى الأردن يمثل مجرد لحظة في سياق صراع مستمر، لكنه لا يعد بالضرورة حلًا لأزمة الغزيين التي يواجهونها. الطريق إلى السلام يحتاج إلى التزام حقيقي من المجتمع الدولي لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. إن الحل الحقيقي لغزة لا يكمن في الاقتراحات المأساوية مثل التهجير، بل في إيجاد حل سياسي يضمن الأمن والاستقرار، ويعترف بحقوق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
محامٍ وخبير قانوني
ــ الراي
yazan.haddadin@haddadinlaw.com