الأخبار

صالح الراشد يكتب : هكذا تُصنع المجتمعات الفاشلة .. !

صالح الراشد يكتب : هكذا تُصنع المجتمعات الفاشلة .. !
أخبارنا :  

سؤال كبير يجتاح العقول والقلوب الراشدة، سؤال يجعل النظر للمستقبل بصورة أوضح فتصبح الرؤيا أفضل، سؤال يرتعب أصحاب الدولة والمعالي والسعادة عن التفكير فيه كونهم شركاء في الصناعة فاشلون في إيجاد الحلول، سؤال يقول: هل نحن شعوب فاشلة؟، وهل أضعنا الطريق نتيجة سوء التخطيط؟، وحتى ندرك ذلك علينا أن نعود لكلمات الكاتب الروسي أنطون تشيخوف، وهو يبحث عن المجتمعات الفاشلة وقد حدد أسباب فشلها كونها تضل طريق النهضة وتتمسك بالسراب، وتبحث عن تحقيق الإنجازات وسط السقطات المتتالية دون أن تتنبه بأنها تعود للخلف بقوة إعلام ناقص الرسالة محدد الآداء وبقوة أنظمة تمنع الشعوب من قول كلمة "لا".

ووضع تشيخوف معايير لتحديد المجتمعات الفاشلة، وفي مقدمتها "بأنه يوجد في المجتمعات ألف أحمق مقابل كل عاقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية"، وهنا دعونا نغوص في هذه الكلمات، ففي المجتمعات العربية السليمة يوجد حالياً الاف الحمقى مقابل كل عاقل، وفي المجتمعات العربية الأكثر فشلاً يوجد مليون أحمق مقابل كل عاقل، حتى أصبح سفهاء وسائل التواصل الاجتماعي قدوات في الهرج وتسويق الحُمق والجهل، وتحولنا لمجتمعات تُشغل نفسها وتتناحر بأسباب لا قيمة لها من تعليقٍ للاعب جاهل أو ردة فعل معلق متملق يبحث عن الصعود على جماجم الأمة، لقد فقدنا طريق الوعي وأصبحنا كعالم ثالث نغوص في وحل الجهالة حتى أذنيها، وأصبحت المجتمعات فاشلة من رأسها حتى قدميها، فعمران البيوت والعمارات والملاعب وناطحات السحاب لا يصنع مجتمع واعي كون عمران المجتمعات يُبنى بالثقافة الايجابية لتكون طوق النجاة من الفشل.

إن الهدف الرئيسي من جعل الحمقى يتصدرون المشهد من رياضيين حُهلاء وإعلاميين كعرائس الدمى يتحركون بأصابع مخفية أو رغبات دونية، ومن راقصات وممثلات عاريات ومطربين يصدحون بكلمات لا معنى لها ولا قيمة ومن تافهين يُقال عنهم مؤثرين هو تمييع للمجتمعات، لذا يتم تغييب العلماء والعقلاء وأصحاب الفكر الراشد والإعلاميين الشرفاء والكُتاب المميزين وكل من همهم الحفاظ على الثقافة المجتمعية الايجابية والمصلحة الوطنية العُليا، حتى تخلوا الساحة أمام البُلهاء لنشر قيم جديدة لا تحمل مضامين أخلاقية أو فكرية وغايتها الإبقاء على الأغنام البشرية في حظيرة الجهل، وتكتمل مسرحية الضحك على الذقون حين تأتي الانتخابات وتقرر هذه المجتمعات الفاشلة مستقبلها باختيار من يزيدهم فشلاً.

وتستفيد الدول القوية التي تُمثل الشركات الرأسمالية في الاستعمار الجديد من فشل الدول، فتعمل بالتنسيق مع مخرجات الشعوب الانتخابية الفاشلة على زيادة فقرها وصناعة أعداء وهميين لها، ثم تأتي دول "الشركات الدولية" لتلعب دور المنقذ وأنها تحمل لواء الإصلاح الوهمي لتخليصهم من عدوهم فتقدم لهم الدعم والقروض من أموال الشعوب المنهوبة، فتفرح المجتمعات الفاشلة بجهلها وتصبح أسيرة في براثن وحش يتغول في مراكز الدول الفاشلة، فيسيطرون على مواردها أو يعملوا على إفشال تطورها حتى ينظر الجميع إليهم على أنهم الأبطال الخارقون، بفضل استغلالهم للإعلام الكرتوني المُسير بقوة المال والرعب الذي يجعل الشعوب تعتقد أنها السبب في تأخرهم، وأن دول الشركات قد جاءت لتنقذهم وحينها يتم السيطرة على المجتمعات بشكل شمولي فتصبح أسيرة لرغبات المستعمر الجديد ولا تتمكن من قول " لا" لرفع القهر والظلم عنها.

آخر الكلام:

قال الفيلسوف د.كارل ماركس: تعمل القوى الرأسمالية على عدم ترك أي شيء مقدس، فعبثت في الدين والفن والأدب والعلاقات الإنسانية، لتتحول جميعها إلى أدوات للربح، بتحويلها إلى سلع تُباع في السوق، ليفقد الأدب شغفه ويصبح منتجًا للتسويق، إنها حالة من الاغتراب تجعل الإنسان غريبًا عن ذاته وعن جوهره الإنساني، فتصنع الفقر المادي والثقافي عندها لا يمكن للفقر وحده أن يُشعل ثورة إلا عبر وعي جماعي يُمنع الوصول إليه.

مواضيع قد تهمك