الأخبار

د . صالح ارشيدات يكتب : رؤية تحليلية حول تعديل قانون الانتخاب بين ضرورة الإصلاح وأهداف التحديث السياسي

د . صالح ارشيدات يكتب : رؤية تحليلية حول تعديل قانون الانتخاب بين ضرورة الإصلاح وأهداف التحديث السياسي
أخبارنا :  

* بقلم: الدكتور صالح إرشيدات :
يُعد تعديل قانون الانتخاب بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة موضوعًا محوريًا في النقاش السياسي الأردني. فهو يفتح الباب أمام تساؤلات حيوية حول مدى نجاعة القوانين الحالية ومدى توافقها مع متطلبات التحديث السياسي والديمقراطي.
في هذا المقال، نناقش فكرة تعديل القانون بين الضرورة والواقعية، ونربط ذلك بالتجربة السياسية الأردنية الراهنة التي تتطلب رؤية شاملة وتخطيطًا استراتيجيًا لتحقيق التنمية السياسية.
التعديل بعد الانتخابات: ضرورة أم عبث؟
تعديل قانون الانتخاب بعد ظهور النتائج الانتخابية لا ينبغي أن يُنظر إليه كاستجابة عبثية لضغوط أو مطالب آنية، بل يجب اعتباره جزءًا من عملية تطوير سياسية مستمرة. •
الضرورة: إذا أظهرت نتائج الانتخابات اختلالات في تمثيل الفئات المختلفة أو استمرار هيمنة قوى معينة على العملية الانتخابية، يصبح التعديل ضرورة ملحة لإعادة التوازن الديمقراطي. هذه الاختلالات قد تشمل ضعف التمثيل الحزبي، أو سوء توزيع الدوائر الانتخابية، أو غياب العدالة الاجتماعية في تمثيل الأطياف المختلفة للمجتمع الأردني.
• التوقيت: صحيح أن التعديل بعد الانتخابات قد يُفسر أحيانًا كاستجابة لضغوط شعبية أو سياسية، لكن قراءة دقيقة لنتائج الانتخابات يمكن أن تكشف عن أوجه القصور التي تتطلب إصلاحًا عاجلًا. هذا التوقيت لا يجب أن يُفهم على أنه ضعف في التخطيط، بل دليل على مرونة النظام السياسي واستعداده للتطوير.
الانتخابات كمرآة للقانون:
العملية الانتخابية هي الاختبار العملي لنصوص القانون، ونتائجها تعكس مدى نجاح القانون في تحقيق أهدافه.
إذا أظهرت الانتخابات الأخيرة ضعفًا في التمثيل الحزبي، أو استمرار الفردية كنهج رئيسي في الترشيح، فإن هذه إشارات واضحة على الحاجة لإعادة النظر في الإطار القانوني. •
تقييم التجربة: الانتخابات الأخيرة يمكن أن تُعتبر تجربة ميدانية تُظهر نقاط القوة والضعف في النظام الانتخابي. ومن هذا المنطلق، يُعد التعديل خطوة لتصحيح المسار بناءً على الدروس المستفادة. •
التعلم من الأخطاء: أي عملية ديمقراطية تُعد فرصة للتعلم. التعديل بناءً على نتائج الانتخابات هو استثمار في المستقبل، وهو جزء من ديناميكية التطور السياسي الذي يستجيب للواقع بدلًا من الجمود أمامه.
العدالة في القانون الانتخابي:
الهدف الأساسي من أي قانون انتخابي هو تحقيق العدالة في تمثيل المواطنين. إذا كانت نتائج الانتخابات تُظهر فجوات في هذا التمثيل، فإن التعديل يصبح ضرورة وطنية.
التوزيع العادل للدوائر:
كثيرًا ما تُبرز النتائج الاختلالات في توزيع الدوائر الانتخابية، مما يؤدي إلى تفاوت في قوة الأصوات وتأثيرها. أي تعديل للقانون يجب أن يراعي تحقيق التوازن بين المناطق والفئات. •
تعزيز الحياة الحزبية:
إذا أظهرت الانتخابات ضعفًا في التمثيل الحزبي، فإن التعديل يجب أن يركز على إيجاد آليات تشجع الأحزاب على التنافس، مثل إدخال نظام القائمة النسبية بشكل أوسع، وتحفيز التكتلات السياسية على حساب الفردية.
التحديث السياسي:
رؤية متكاملة للنضوج الديمقراطي إن التعديلات على القوانين الانتخابية لا يمكن فصلها عن السياق العام للتحديث السياسي الذي بدأ الأردن بتنفيذه. في هذا الإطار، تم وضع خارطة طريق تمتد على ثلاث دورات انتخابية للوصول إلى حالة تشكيل حكومات برلمانية، معتمدة على التدرج والنضوج السياسي.
نمو الحياة الحزبية:
تشترط هذه التجربة أن تأخذ الحياة الحزبية وقتها لتتطور وتنمو وصولًا إلى نضج ديمقراطي حقيقي. الهدف ليس فقط تشكيل أحزاب قوية، بل أيضًا إيجاد بيئة شعبية ورسمية صديقة للأحزاب والعمل الحزبي.
الوعي الشعبي:
تحقيق هذا الهدف يعتمد بشكل أساسي على رفع الوعي الشعبي بأهمية المشاركة السياسية والعمل الحزبي. الشعب هو المحرك الأساسي لأي عملية ديمقراطية، ومن هنا فإن التعديلات القانونية يجب أن تترافق مع حملات توعية شاملة. •
مرونة النظام السياسي:
التدرج في التحديث السياسي يعكس مرونة النظام الأردني واستعداده للاستماع إلى متطلبات الشارع والنخب السياسية، وهو ما يجعل تعديل القوانين عملية ديناميكية وليست جامدة.
المخاوف المشروعة من التعديل:
على الرغم من إيجابيات التعديل، إلا أن هناك مخاوف مشروعة يجب أخذها بعين الاعتبار:
1. الثقة العامة: إذا فُسر التعديل على أنه اعتراف بفشل القانون السابق، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة ثقة المواطنين في قدرة النظام السياسي على التخطيط.
2. شبهة التسييس: يجب أن يكون التعديل مبنيًا على أسس علمية وعملية، وليس استجابة لأجندات سياسية أو فئوية قد تؤدي إلى تآكل العدالة الانتخابية.
الخلاصة: هل يمكن تعديل قانون الانتخاب بعد الانتخابات؟ نعم، تعديل قانون الانتخاب بعد ظهور النتائج هو خطوة منطقية وضرورية إذا كان الهدف منها تحسين النظام الانتخابي وتعزيز العدالة الديمقراطية. لكن هذا التعديل يجب أن يكون جزءًا من رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار ضرورة التدرج في الإصلاح السياسي، كما هو الحال في خارطة التحديث السياسي التي اعتمدها الأردن. الديمقراطية ليست عملية جامدة، بل هي تطور مستمر يعتمد على التعلم من الأخطاء والاستجابة للتحديات. التعديلات الانتخابية يجب أن تكون جزءًا من هذا المسار التطويري، بهدف الوصول إلى بيئة سياسية ناضجة قادرة على تحقيق تطلعات الشعب الأردني في عدالة وشفافية تمثيلية، وحياة حزبية مزدهرة تُسهم في تشكيل حكومات برلمانية حقيقية.

مواضيع قد تهمك