خلدون ذيب النعيي : وطن يغادره ضيوفه بغربة
«لقد حكم القدر علي ان اذوق الغربة مرتين الاولى عندما غادرت وطني مكرهاً والثانية الآن مع مغادرتي الأردن عائداً لوطني» كلمات قالها لاجئ شاب وهو يهم بالعودة لسورية مؤخراً، ومثلها الكثير مما شاهدناه على وسائل التواصل الاجتماعي للأشقاء السوريين، لله در أردننا من وطن فكرامة الانسان وحقوقه أي كان هي من اهم الاسس التي قامت عليها مملكتنا الهاشمية منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، ومن هنا كان هذا الحمى عبر تاريخه هو العرين الذي يأوي اليه من يطلب الأمان والكرامة من محتل او طاغية.
لقد عايشت بعملي تجربة لا تنسى أحد العمال من الجنسية العربية الذي اشتكى على رب العمل بسبب تأخره بسداد حقوقه المالية وعندما دخل الطرفان قاعة القضاء تصادف ان رب العمل له معرفة سابقة وصديق للقاضي، وعندما عرفه بنفسه وهم بالجلوس امره القاضي بالوقوف امامه وعدم الجلوس رغم ان صاحب الحق جالس وقتها واخبره بالحرف الواحد انك الآن أمامي مشتكى عليه وليس صديق، وفي هذه اللحظة وقف العامل فجأة وقال هكذا تبنى الاوطان بالعدل واحترام الانسان وهو الشيء الذي يفتقده ببلده، وقام بإسقاط حقه مباشرة امام القاضي وامهال الطرف الاخر وقتا لسداد حقه أكراماً لهذا الموقف، نعم هكذا تبنى الاوطان بتأصيل إنسانها بالحق والكرامة والعدل فمن هنا منطلق الوطنية والانتماء والدافع لحماية مقدراتها وبنائها وتطورها ليس فقط لمن يحمل جنسيتها بل ايضاً لكل من يعيش على ترابها.
قدر هذا الوطن رغم فقر موارده ان يتلقى الهجرات المتلاحقة سيما انه جزء من منطقة دائمة التأزم، فقد قصده الشركسي والشيشاني والارمني والفلسطيني واللبناني والعراقي واخرها السوري، فتقاسم ابناؤه لقمتهم وماءهم مع ضيوفهم بكل محبة، بل كان الاردن منطلقاٌ لدعم الثورات والحركات التحررية ضد الاحتلال في سوريا وفلسطين واستقبل قادته الهاشميون وعشائره قادة الثورة السورية سلطان باشا الاطرش وابراهيم هنانو وهو ليس مستغرباً على هذا الوطن حامل لواء الثورة العربية الكبرى في اهدافها المعلنة بالوحدة والكرامة والحياة الافضل، واستقبل جيشه بعد ذلك لاجئيه بالماء والطعام وبحمل اطفاله وكبار سنه الفارين من الظلم والقهر.
كلمات الشاب السوري حول شعوره بالغربة مع عودته لوطنه قالها بقلبه قبل لسانه، لقد وجد حقه كإنسان في الكرامة والامان بعيداً عن تغول أي جهة، واختتم كلماته بعبارة لامست شغاف القلب «صون الاردن وحمايته حق ليس على ابنائه فقط بل واجب على كل من عاش ترابه وتنسم هواءه وشرب ماءه، حفظ الله الاردن وقيادته وشعبه فشكراً من القلب، وصاتكم الأردن»، قالها وهو يخفي دموعه براحة يده. ــ الدستور