أ. د. عبد الباسط الزيود : الدور للأردن لا على الأردن !
تتكاثر على وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها سرديّة تخص الأردن لا تستند إلى واقع أو حسابات سياسيّة حقيقية وإنما إلى أمنيات تحتضنها صدور لا تضمر خيراً للأردن وأهله؛ وتتلخص هذه السرديّة بأنّ الدور على الأردن بعد التطورات السياسية التي شهدتها المنطقة وبخاصة في لبنان وسوريا، وإذا ما أخضعنا هذه السرديّة للفحص وعميق النظر سنجد أنّ المستفيدين منها ثلاثة أطراف وهم:
أولاً: العدو الصهيوني في المقام الأول رغبة في إعادة انتاج الفوضى التي شهدتها دول عدة وتمهيداً لحل مشكلة ديمغرافية تعاني منها إسرائيل ولا يتم ذلك إلا عبر خلق مناخ ملائم من الفوضى في الأردن لا قدّر الله!.
ثانياً: تيار سياسي إخواني أردني ظاهرياً لكنه يحمل فكراً عابراً للحدود، يطلق أمنياته وتمنياته في إحداث ثغرة في الجدار الأردني الصلب، وبخاصة بعد صعود سلطة جديدة في سوريا ذات علاقة بالإخوان المسلمين بشكل ما، مستغلين تعاطف جمهور معين معهم بعد استثمارهم الكبير والمكشوف في أحداث العدوان على غزّة، متوهمين أن هذا يعطيهم توكيلاً بالنيابة عن الناس هنا في الأردن!.
ثالثاً: قوى إقليميّة لها أطماعها في المنطقة العربية وبخاصة الجانب التركي بعد سقوط مشروع إيران بالضربة القاضيّة في سوريا، رغبة في استعادة أمجاد سابقة وإحياء لمشروع مرّ على هذه المنطقة ذات زمن واستثماراً لنفوذه على الأرض السوريّة!.
لكنّ الواقع الأردني ومعطياته على الأرض تجافي هذه الأمنيات السابقة وتتجاوزها، فالدور للأردن لا عليه في ظل تنامي دوره إقليمياً ودولياً، لما يحظى به من ثقة ومصداقيّة بناها طوال سنين مضت، أهلته ليكون حاضناً لأول اجتماع أممي في العقبة حول سوريا؛ لتكون مخرجاته إطاراً للعمل بخصوص سوريا واستقرارها وأمنها مستقبلاً؛ بما يعزز فرص الأردن في استعادة الأمن والهدوء على الحدود الأردنيّة السوريّة والتخلص من ملف تهريب المخدرات والأسلحة واستعادة حقوقه المائية التي تجاهلها النظام السوري السابق.
ضف على ذلك المبادرة الأردنية بزيارة دمشق وهي الأولى عربياً في مبادرة منه متقدمة على غيره من الدول، ومعروف أن من يبادر هو الأقوى؛ فالضعيف ينتظر قدره فقط، أليس كذلك؟!، وبخاصة إذا ما عرفنا أن الأردن قد بنى جسوراً من الثقة مع مختلف أطياف الشعب السوري منذ أحداث ٢٠١١ وما بعدها، مما حدا بمعارض سوري بارز وهو زيدون الزعبي ليطالب بمبعوث أردني خاص بسوريا!.
وفي إطار الدور الأردني البارز جاءت الجهود الأردنية التي بذلت على مدى ما يقرب من سنتين في إسناد أهلنا في غزّة إنسانياً وعالمياً من خلال المطالبة بالوقف الفوري للحرب على غزّة ودفاعاً عن حقها في العيش الكريم وتعريّة الصورة التي رسمها العدو لنفسه عبر ماكينة إعلاميّة عالميّة في حين لاذ آخرون بالصمت أو الانزواء بعيداً لأسباب كثيرة منها عدم إغضاب العدو والبعد عن التحرش به لاتقاء شرّه!.
لا يمكن لأي دولة القيام بهذه الأدوار إلا إذا كانت جبهتها الداخلية متماسكة وصلبة وهي كذلك في الأردن، وإلا لما استطاع الأردن القيام بهكذا أدوار إلا لأنه يستند إلى أرضية صلبة يلتف فيها الأردنيون حول القيادة ويصطفون خلف أجهزتهم العسكريّة والأمنيّة مفوّتين الفرصة على كل متربص بهذا الوطن الأردني الشامخ وقد راهن قبلهم على زواله آخرون فذهبوا وظل الأردن!.