الأخبار

د. هبة ابو عيادة : سجن الذات: المشاعر التي تنتظر أن تُقال

د. هبة ابو عيادة : سجن الذات: المشاعر التي تنتظر أن تُقال
أخبارنا :  

تتغلغل المشاعر في أعماقنا، وتشكل جزءاً لا يتجزأ من تجربتنا الإنسانية. ومع ذلك، غالبًا ما نجد أنفسنا نكبت هذه المشاعر، نخاف من التعبير عنها، أو نتأخر في ذلك حتى فوات الأوان.

إن هذه المشاعر المتأخرة، كالأزهار التي لا تجد من يرويها، تذبل وتتحول إلى ندم وأسى، فكم من علاقة تقطعت بسبب كلمات جارحة لم تُعتذر عنها؟ كم من قلب جريح ينتظر كلمة «آسف» التي لم تصل أبدًا؟ كم من عاشق حمل في قلبه بحرًا من الحب والصدق والإخلاص، ولم يحظَ بكلمة أحبك إلا بعد فوات الأوان؟ وكم من أب أو أم حفرت عنهما الآبار ووزعت عنهما الصدقات بعد رحيلهما؟.. كانا يتمنيان أن يجالسهما أبناؤهم ويبروهما والآن يزورن قبريهما ويبكون لفقدهما. وكم من مريض تمنى زيارة أحبائه، ولم يجد من يزوره حتى في فراش الموت؟ وغطت باقات الورد قبره وكان يتمنى وردة واحدة! وكم من صديق أهملناه، ولم ندرك قيمته إلا بعد أن فقدناه؟ وكم من نعمة أنعم الله علينا، ولم نشكره عليها إلا بعد أن فقدناها؟وكم من مرة قمعنا شعورًا ما، ودفناه في أعماقنا، خوفًا من الحكم أو الرفض؟ وكم من كلمة علقت في حلقنا، ولم نجد الشجاعة لنطقها؟ هل تساءلنا يومًا عن الثمن الذي ندفعه مقابل هذا الصمت؟

نحن البشر كائنات عاطفية بطبعنا، مشاعرنا هي بوصلتنا التي تدلنا على أنفسنا وعلى العالم من حولنا. لكننا في كثير من الأحيان نختار تجاهل هذه المشاعر، أو نكبتها في زاوية مظلمة من داخلنا، ويمنعنا كبرياؤنا حتى عن قول كلمة أحبك ظنًا منا أن هذا هو الطريق الأسهل والأكثر أمانًا. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا نتأخر في التعبير عن مشاعرنا؟

عزيزي القارئ قد يمنعنا الكبرياء من الاعتراف بخطأنا أو طلب المساعدة أو التسامح والمغفرة. وقد نخاف من أن يؤدي التعبير عن مشاعرنا إلى تغييرات كبيرة في حياتنا وقد ننشغل بمتطلبات الحياة اليومية، فننسى أهمية التعبير عن مشاعرنا. ولكن كافة هذه الهواجس وهمية حيث أول سجن المشاعر عواقب وخيمة أولها الندم الشديد على الفرص الضائعة والكلمات التي لم تُقل. وكذلك الألم العاطفي إذ قد يتسبب تأخير التعبير عن المشاعر في ألم نفسي عميق وقد تؤدي المشاعر المتأخرة إلى تدهور العلاقات مع الآخرين. وكذلك فقدان الثقة بالنفس: قد يؤدي الشعور بالندم إلى فقدان الثقة بالنفس. إن سجن المشاعر ليس خيارًا سليمًا، بل له عواقب وخيمة على صحتنا النفسية والعاطفية، منها: القلق والاكتئاب: قد يؤدي قمع المشاعر إلى الشعور بالقلق المستمر والحزن واليأس. ومشاكل جسدية: قد تظهر المشاعر المكبوتة على شكل أعراض جسدية مثل الصداع وآلام المعدة وأمراض المناعة الذاتية. وصعوبات في العلاقات: قد يؤدي صعوبة التعامل مع المشاعر إلى صعوبات في بناء علاقات صحية مع الآخرين. وانخفاض احترام الذات: قد يؤدي قمع المشاعر إلى الشعور بعدم الكفاءة وعدم القيمة. وانفجار عاطفي: قد تتراكم المشاعر المكبوتة حتى تصل إلى نقطة الانفجار، ما يؤدي إلى ردود فعل عنيفة وغير متوقعة.

لتحرير أنفسنا من سجن المشاعر، يجب علينا اتخاذ بعض الخطوات الجريئة:

• الاعتراف بالمشاعر: الخطوة الأولى والأهم هي الاعتراف بوجود هذه المشاعر وعدم تجاهلها.

• التعبير عن المشاعر: يمكن التعبير عن المشاعر بطرق صحية مثل الكتابة أو التحدث مع صديق موثوق به أو معالج.

• ممارسة تقنيات الاسترخاء: يمكن أن تساعد تقنيات الاسترخاء مثل التأمل واليوغا في تخفيف التوتر والقلق المرتبطين بالمشاعر المكبوتة.

• البحث عن الدعم: قد يكون من المفيد طلب الدعم من معالج نفسي لمساعدتك على فهم مشاعرك وتعلم كيفية التعامل معها بشكل صحي.

• تغيير النظرة إلى المشاعر: يجب أن نتخلص من الاعتقاد بأن التعبير عن المشاعر هو دليل على الضعف، وأن ندرك أن المشاعر جزء طبيعي من الحياة.

ويمكن أن نتجنب تأخير التعبير بتعزيز تقدير الذات وأن نكون واعين بأهمية التعبير عن مشاعرنا ونمتلك الشجاعة لمواجهة مخاوفنا والتعبير عن أنفسنا. والثقة بالنفس الكافية لنتواصل مع الآخرين بصراحة ووضوح ونتعلم كيف نغفر لأنفسنا وللآخرين ونركز على الحاضر، وأن نستثمر كل لحظة للتعبير عن مشاعرنا ونوقن تمامًا أن الإفصاح عن المشاعر والأحاسيس قوة وليس ضعفًا وأن الحب أقوى من الكره والتسامح أفضل من الحقد والعفو أرفع من العتاب

وتأكد دومًا أن أسباب سجن المشاعر كثيرة ومتنوعة، منها: الخوف من الضعف: يعتقد البعض أن التعبير عن المشاعر هو دليل على الضعف، وأن الشخص القوي هو الذي يكبت مشاعره ويظهر القوة في كل الأوقات. والخوف من الرفض: قد نخاف من أن يتم رفضنا أو عدم فهمنا إذا كشفنا عن مشاعرنا الحقيقية، خاصة إذا كانت هذه المشاعر سلبية. والمعتقدات الثقافية: قد تكون هناك معتقدات ثقافية أو اجتماعية تزعج التعبير العاطفي الصريح، وتعتبره سلوكًا غير مقبول. والخوف من الألم: قد نخاف من أن يؤدي التعبير عن مشاعرنا إلى تجربة ألم عاطفي إضافي. وآليات الدفاع: قد نلجأ إلى آليات دفاعية مثل الإنكار أو التجنب لحماية أنفسنا من مواجهة مشاعر مؤلمة.

ختامًا إن سجن الذات هو سجن مؤقت، يمكننا تحريره إذا قررنا ذلك. التعبير عن مشاعرنا هو خطوة نحو الحرية النفسية والعاطفية. عندما نسمح لأنفسنا بأن نشعر ونعبر عن مشاعرنا الحقيقية، فإننا نفتح الباب أمام حياة أكثر سعادة ورضا.

فلا يغرك التسويف والتأجيل وطول العمر فالحياة قصيرة جدًا، ويجب ألا نضيعها في ندم على الكلمات التي لم تُقل والأفعال التي لم تُرتكب. لنجعل من عاداتنا التعبير عن مشاعرنا بصدق ووضوح، حتى نتمكن من بناء علاقات قوية وصحية، والعيش حياة أكثر سعادة ورضا. وتذكر: أنت لست وحدك في هذه الحياة، وهناك الكثير من الأشخاص ينتظرون منك، بروا آباءكم في حياتهم وأكرموا أبناءكم وعيشوا الحياة ببساطتها واتركوا الأثر الطيب. ــ الراي

مواضيع قد تهمك