حسين بني هاني : الأردن والجوار السوري
لا يملك قادة مشروع الحكم السوري الجديد اليوم، ترف المواجهة مع احدٍ في المنطقة، فقد ترك لهم نظام الأسد حملاً ثقيلا، دفعهم على ما يبدو وبقناعة سياسية واعية،لرفع منسوب لغة التصالح، في محاولة منهم لاجتياز ظلمة الفراغ السياسي الذي خلّفه خروج الاسد السريع،ورغبة في ترميم وتأهيل وجه سوريا السياسي الجديد، وقواه المساندة، وتقديمها كفؤة سياسية معتدلة، تريد اعادة تشكيل المشهد السياسي كدولة مسالمة همها الاول تحقيق الاستقرار وأعادة الأعمار، وتجاوز محنتها الامنية.
قادة هذا المشروع يعرفون تماما، انهم ليسوا وحدهم في المسرح السياسي والأمني السوري ، ويدركون أن يدهم اقتصاديا وعسكريا مغلولة إلى اعناقهم. الاردن بحكم خبرته بالجوار الجغرافي والسكّاني ،وبفطنته السياسية كان اول من تلقف أهمية لغة التصالح التي بادر بها احمد الشرع ، وحاول فورا إقناع القادة العرب مبكراً،لمد يد العون والمساعدة للسلطة السورية الجديدة، قبل أن يختطفها الآخرون الذين تزدحم دمشق بوفودهم كلّ يوم ،وكان لقاء العقبة خطوة اولى في الاتجاه الصحيح.
كلّ عقلاء السياسة العرب، يدركون خطورة الوضع القائم في سوريا، ولا اظن ان أحداً منهم من مصلحته أن يغضّ طرفه عن محاولات بعض قوى الاقليم ، لاستبدال نفوذ قضّى اجله، بنفوذ آخر يقف على اعتاب سوريا الجديدة، الامر الذي يقتضي التحرك سريعا، لملء الفراغ اذا أرادوا أن تعود دمشق إلى محيطها العربي.
ذاك أمرٌ يقع بين يدي قادة الاعتدال العربي، لاغتنام الفرصة التي قادها الاردن، بل بوسع دول عربية قوية مثل السعودية مثلا ومعها دول الخليج ومصر أن تساند هذه المبادرة، واغتنام اللحظة التاريخية بعد أن بدا جلياً عبر تصريحات احمد الشرع،أن لديهم الرغبة في أجراء مراجعات فكرية تقود إلى قناعات ذات طابع سياسي، عوض الركون إلى تلك الأيديولوجيا التي استندت إليها الجماعات المتشددة.
يبدو لي أن جيلاً جديداً من هؤلاء القادة الشباب، بدأ يدرك أن لعبة السياسة ،تقتضي نسج وجدل حبل المبادئ من خيط المصالح، خاصة وأنهم يعرفون تماماً، أن الشعب السوري المثقل بمشاعر الفقر والظلم وفقدان الأمن، قد سئم مثلّث الطائفية والاستبداد والتهجير، وهو بحاجة ماسة للأعمال قبل ألأفكار، ويفضل بعد طول معاناة مصالحة المعيشية اليومية، قبل الملاذات العقائدية، أو بالأحرى الانتقال السريع من شعارات الثورة إلى عقلية الدولة بكل معطياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ربما يكون هذا هو الباب ،الذي يمكن لدول الاعتدال العربي، أن تدخل من خلاله إلى دمشق الجديدة ، للمساعدة في بناء الدولة السورية الخارجة من رحم الخراب، ونسج علاقات وثيقة ووازنة مع جوارها العربي.
لا أظن أن من الحكمة اليوم ،استحضار المناخات القديمة التي نشأت فيها بعض التنظيمات الإسلامية، قبل وبعد الربيع العربي، فالأمر اليوم في ظلّ معطياته الجديدة، يقتضي طي هذه الصفحة ومراقبة الوضع، ودعوة عقلاء الامة وقادتها المتنورين، لمنع وقوع سوريا مرة أخرى في آتون عدم الاستقرار، وعبث قوى الاقليم ومدّ اليد إلى هذا الجيل السوري الجديد، الذين يبدو أنهم تعلموا الدرس، وتبين لهم بعد طول معاناة، أن عالم ألأفكار التي لامست مشاعرهم قبل عقدين من الزمن، هي عناوين سياسية غير مقبولة عربيا، ولا تلائم العصر ومرفوضه عالمياً، وتحتل في وجدان الفلاحين السوريين ، معطيات العرف القديم السائد بينهم بأن حسابات الحقل ليست مثل حسابات البيدر.