الأخبار

د. احمد يعقوب مجدوبة : متى نُنتج البحوث الكبرى؟

د. احمد يعقوب مجدوبة : متى نُنتج البحوث الكبرى؟
أخبارنا :  

تتعدد البحوث وتتنوع حسب الموضوع والحقل والسياق والهدف، وحسب الزاوية التي ننظر إليها منها.

بَيْدَ أنها، وعلى نحو عام، يمكن أن تقسم إلى نوعين: البحوث الكبرى، «الماكْرُويّة"؛ والبحوث الصغرى، «المايْكرُوية».

أما الأولى، فهي التي تتصدى لظواهر عامة أو كلية لم يتصدَّ لها أحد، وتأتي بتفسير أو تعليل أو تحليل عام وشامل لها، مبنيّ على تفاصيل دقيقة وحجج وشواهد راسخة.

وينجم عن هذا النوع من البحوث، الذي يرقى إلى مستوى النظرية، اكتشاف ما هو جديد أو إماطة اللثام عن المُبهم أو سبْرِ غوْرِ المجهول؛ أو تعديل جوهري في معرفة سابقة.

ومن يقوم بهذا النوع من الأبحاث هم العلماء. والعالِم هو من يصنع المعرفة أو ينتجها.

أما الثانية، فهي الأبحاث الجزئية التي توظِّف البحوث الكبرى، أو النظريات المنبثقة عنها، في تفسير أو تحليل أو إلقاء ضوء على ظواهر أو قضايا أو إشكالات في سياقات فرعية محددة لم تتطرق لها البحوث الكبرى مباشرة، لكنها تطرقت لما هو شبيه بها وبالتالي تنسحب عليها.

ويكون دور الباحث هنا مقتصراً على تطبيق أو توظيف النظريات المنبثقة عن البحوث الكبرى في تفسير أو تعليل الظواهر الجزئية التي يعالجها.

هي بحوث لا تأتي بعلم أو معرفة جديدين، إنما تقوم، مستندة إلى النظرية المنبثقة عن البحث الأكبر، بتفسير الجزء من خلال ربطه بالكل وتبيان أبعاده في الظاهرة أو الحالة الجزئية.

وكأنّ الباحث هنا وسيطٌ بين القضية الصغرى والنظرية الأكبر، لا أكثر.

وحتى لا يذهب البعض بعيداً في تفكيرهم أقول بأن علماء الأبحاث الكبرى الذين أتحدث عنهم هم أساتذة جامعات أو أساتذة في مراكز بحثية. منهم، على سبيل المثال، إدوارد سعيد ونعوم تشومسكي وجوناثان كلر وهشام الشرابي وهومي بابا وغيرهم ممن نشروا أبحاثاً كبرى أتت بمعارف جديدة وغيرت في بنى التفكير الإنساني؛ وأصبحت مصدراً رئيساً للبحوث الصغيرة.

البحوث الصغيرة لها فوائدها بلا شك، في سياقاتها المحددة، وهي مهمة للفئة المستهدفة والتي قد لا تكون مُلمّة بالسند المعرفي الأكبر؛ ومن هنا نتحدث عن مُجري البحث الصغير كوسيط في نقل المعرفة.

بَيْدَ أن البحوث الكبرى هي الأهم، فهي الأصل المُستَند إليه، وهي التي تنطوي على اكتشاف أو ابتكار أو إبداع في المجال المعرفي. أما الصغرى فإبداعها يكمن في تطبيق أو توظيف نتاجات البحوث الكبرى.

نستدرك ونقول بأن بعض البحوث الصغيرة قد تكون إبداعية واكتشافية في سياقاتها المحددة، وقد تكون أتت بالجديد، لكن الظواهر والقضايا التي تعالجها أبسط وأضيق، وذات طابع محلي أو محدد.

سؤالٌ مهم: يا ترى أي البحوث نُجري في مؤسساتنا؟

أُخمّن أن معظم ما يُجرى ينضوي تحت النوع الثاني: الجزئي التوظيفي.

ملاحظتي في هذه المقالة مبنية على الحقول المعرفية التي أنتمي لها وأخبرها مباشرة: الإنسانيات والعلوم الاجتماعية. بَيْدَ أنني أجزم بأن البحوث في الحقول العلمية والصحية والهندسية والتقنية عندنا لا يختلف حالها كثيراً.

سؤالٌ مهم آخر: متى تتنبّه مجتمعاتنا ومؤسساتنا لأهمية إنتاج البحوث الكبرى، ومتى تكون قادرة على ذلك، حتى يكون لنا دور في إنتاج المعرفة لا مجرد تطبيقها وتوظيفها؟ ــ الراي

مواضيع قد تهمك