د. محمد الرصاعي : التعليم في ظل الحرب
في ظل الحروب تتوقف مظاهر الحياة، ويصبح مجرد البقاء على قيد الحياة هو الشغل الشاغل للناس، ويتقدم البحث عن مأوى والحصول على الغذاء على الذهاب للتعلم، أو التفكير في بناء القدرات والتنمية الفكرية والاجتماعية للمواطنين، فالتعليم يتطلب بيئة آمنة، وظروفاً مواتية للوصول لمراكز التعليم، إلى جانب عدم إنشغال المتعلمين بقضايا وأفكار ناجمة عن ظروف الحرب تتسبب في تعطيل قدرتهم على التعلم.
ورغم أن القوانين الدولية تحرم التعرض للمدنيين، وتجرم الاعتداء على المساكن ومرافق العبادة، ومراكز التعليم كالمدارس والجامعات، حيث تصبح هذه الأماكن مأوى آمناً للمدنيين، غير أن إسرائيل في حربها على غزة تعمدت تدمير البنية التحتية للتعليم تدميراً ممنهجا، وتقصدت قتل العديد من المدرسين وأساتذة الجامعات، بل أنها قصفت لمرات عديدة المدنيين العزل من النساء والأطفال الذين لجأوا إلى مدارس وكالة الاونروا التابعة للأمم المتحدة، وهذه الأفعال المشينة هي أفعال غير مسبوقة، وتخالف جميع القوانين والمبادئ التي وضعتها دول العالم?وحرصت على صيانتها، غير أن العقلية المتوحشة للكيان الإسرئيلي نسفت هذه القوانين والمبادئ الإنسانية وتسببت في إضعاف إيمان الشعوب بقدرة وسلطة منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن على تنفيذ هذه القوانين والمبادئ وحمايتها من الإنتهاك.
وبالتوازي مع الجرائم البشعة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، يسيطر الصمت على دول العالم إزاء ما يحصل هناك، وتتجاهل هذه الدول الإعلان عن التبعات الكارثية لتوقف مسيرة التعليم، كما مارست الدول العظمى دوراً ضعيفاً إن لم يكن داعماً لإقدام السلطات الإسرائيلية على منع وكالة الاونروا العمل داخل الأراضي المحتلة وخاصة في مجال التعليم.
إن توقف التعليم في مناطق الحروب لفترات طويلة يتسبب بتداعيات كارثية على النشء والأجيال، حيث يحدث لديهم انقطاع فكري وثقافي عن مسيرة العلوم والمعرفة العالمية، وتضعف المهارات العقلية والجسدية، وتصاب المنظومة القيمية والأخلاقية بالوهن والاختلال، كما تنمو فرص ظهور سلوكات منحرفة وقد تكون جرمية لدى الأطفال والشباب المتعطلين عن التعلم، حيث تصبح الآفاق أمامهم مسدودة، ويغلف الغموض رؤيتهم نحو المستقبل.
ومن الواجب والمسؤولية الإنسانية على دول وشعوب العالم الضغط بقوة لوقف هذه الحرب والبدء بإعادة إعمار غزة وعودة النازحين لمناطقهم، وتأمين سبل الحياة والاستمرار، وبموازاة ذلك دعم عودة مسيرة التعليم نحو المواصلة واسترجاع ما تم ضياعه من معرفة وعلوم ومهارات خلال فترة الحرب الطويلة، وهذا يتطلب إنشاء أبنية جديدة للمدارس والجامعات، وتوفير أعداد كافية من المعلمين والمؤهلين القادرين على ترميم البنية المعرفية والانفعالية لدى الأطفال والشباب في غزة وجعلهم قادرين على تجاوز تبعات الحرب وما نجم عنها من مآسي وويلات كبيرة. ــ الراي
Rsaaie.mohmed@gmail.com