هاني الهزايمة : مذكرات اعتقال المحكمة الجنائية الدولية: انتصار تاريخي للعدالة وصرخة لإنصاف الشعب الفلسطيني
في خطوة غير مسبوقة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، إضافة إلى إبراهيم المصري، أحد قادة حركة حماس. التهم الموجهة تشمل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، استنادًا إلى الأحداث الدامية والمأساوية التي أعقبت السابع من أكتوبر 2023. هذا القرار يمثل لحظة تاريخية في مسيرة العدالة الدولية، ويعكس مدى عمق المأساة الفلسطينية التي استمرت لعقود طويلة، حيث يعيش الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال والقهر والحرمان.
الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر 2023، كان نقطة تحول مأساوية في تاريخ الصراع. شنت حماس سلسلة هجمات على إسرائيل، أسفرت عن مقتل وأسر عدد من المدنيين والعسكريين. ردت إسرائيل بحملة عسكرية وحشية على قطاع غزة، حولت المنطقة إلى مسرح لدمار شامل ومعاناة إنسانية لا يمكن وصفها.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي وحتى نوفمبر 2024، استشهد أكثر من 42 ألف فلسطيني، بينهم أكثر من 70% من النساء والأطفال. إضافة إلى ذلك، أصيب ما يقارب 100 ألف شخص، كثير منهم بإصابات دائمة تعيق حياتهم. تعرضت مئات الآلاف من المنازل للتدمير الكامل، تاركة مئات الأسر بلا مأوى، كما دمرت البنية التحتية بشكل شبه كامل. وزاد الحصار المستمر من مآسي الفلسطينيين، حيث مُنعت المساعدات الغذائية والطبية من الوصول إلى السكان، مما أدى إلى كارثة إنسانية مستمرة في غزة المحاصرة.
أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في مايو 2024، أنه سعى لإصدار مذكرات اعتقال بشأن الجرائم التي ارتكبها كلا الطرفين في الصراع. لكنه أكد أن قبول إسرائيل لاختصاص المحكمة ليس ضروريًا، استنادًا إلى انضمام فلسطين كدولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2015.
التهم الموجهة لنتنياهو ووزير دفاعه السابق تشمل استخدام القوة المفرطة، واستهداف المدنيين بشكل متعمد، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية. وفور صدور القرار، رفضت إسرائيل الاعتراف بشرعية المحكمة الجنائية الدولية، ووصفت مذكرات الاعتقال بأنها مسيسة وغير قانونية. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي القرار بأنه محاولة لاستهداف إسرائيل دوليًا، متهمًا المحكمة بالتحيز.
في المقابل، اعتبرت حركة حماس أن الاتهامات الموجهة إلى إبراهيم المصري تهدف إلى تقويض النضال المشروع للشعب الفلسطيني، ورأت أن القرار يساوي بين الضحية والجاني.
هذا القرار يرسل رسالة قوية: لا أحد فوق القانون، مهما بلغت قوته أو مكانته السياسية. لكنه أيضًا يعكس الحاجة الماسة إلى معالجة جذور الصراع، والتي تتجاوز ملاحقة الأفراد لتصل إلى ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ورفع الحصار عن غزة، وضمان حقوق الفلسطينيين في العيش بحرية وكرامة.
ما يميز هذا القرار هو التركيز على المساءلة الفردية، حيث لم يعد اللوم يُلقى على الشعوب أو الجماعات بأكملها، بل على القادة المسؤولين عن القرارات والسياسات التي تقود إلى هذه الجرائم. هذا التوجه قد يسهم في تحقيق العدالة دون تأجيج الكراهية أو الانتقام الجماعي، ما يمهد الطريق لمصالحة مستدامة.
رغم أهمية هذا القرار، فإن تنفيذه يواجه عقبات هائلة. إسرائيل ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية وترفض التعاون معها، كما أن المصالح الدولية والتوترات الجيوسياسية تعقّد الأمر. علاوة على ذلك، يعتمد تنفيذ قرارات المحكمة على تعاون الدول الأعضاء، وهو أمر قد لا يتحقق بسهولة في ظل الضغط السياسي والدبلوماسي الذي تمارسه إسرائيل وحلفاؤها.
مع ذلك، فإن الرمزية التي يحملها القرار لا تقل أهمية عن تنفيذه. فهو يعيد تشكيل الخطاب العالمي حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويعزز الدعوات لإنهاء الإفلات من العقاب الذي طالما كان سمة هذا الصراع.
يمثل قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق خطوة شجاعة نحو تحقيق العدالة في صراع طالما طغت عليه المآسي والإفلات من العقاب. لكنه أيضًا يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي: هل ستتحقق العدالة، أم أن المصالح السياسية ستظل حاجزًا أمام إنصاف الضحايا؟.
بالنسبة للشعب الفلسطيني، الذي عانى عقودًا من الاحتلال والتهميش، يمثل هذا القرار أملًا في أن يتم سماع أصواتهم وأخذ حقوقهم بجدية. إنه دعوة للعالم ليقف إلى جانب العدالة، لإنهاء الظلم، ووضع حد للمآسي التي يعيشها الفلسطينيون يوميًا.
لن تكون هذه الخطوة كافية بمفردها، لكنها قد تكون نقطة البداية نحو مستقبل أفضل، حيث تُحترم حقوق الإنسان ويُحاسب المسؤولون عن الجرائم، مهما كانت مناصبهم أو قوتهم. فالشعب الفلسطيني يستحق أكثر من مجرد رمزية؛ يستحق حياة كريمة ومستقبلًا خاليًا من القهر والاحتلال. ــ الراي