باحثون يؤكدون أهمية التواصل الحضاري والتبادل الثقافي بين ضفتي المتوسط
انطلقت، اليوم الخميس، في الجامعة الأردنية/كلية الآداب، فعاليات مؤتمر
"الفهم المشترك بين ضفتي المتوسط: مفاهيم، أفكار، ومدركات"، بمشاركة نخبة
من الأساتذة، والمفكرين، والباحثين.
وقال رئيس الجامعة بالوكالة الدكتور
أشرف أبو كركي إن الجامعة الأردنية تتبنى في صميم أهدافها الحوار الواعي
الهادف إلى المعرفة الحق التي تعبر عن جوهر الإنسان الواعي لذاته،
ولمتطلبات علاقاته بذاته وبغيره من الأفراد والأمم الأخرى.
وأضاف أن
الفعل الفلسفي كان أول مميزات الإنسان بوصفه كائنا عاقلا مدركا لذاته
ومحيطه ومتطلباته، وهذه العقلانية قادت إلى ممارسة الإنسان لإنسانيته بصورة
تدريجية؛ أفضت في النهاية إلى التراكم المعرفي بوصفه القاسم المشترك بين
البشر جميعا؛ إذ إن معظم التساؤلات الفلسفية أينما بدأت، وفي أي مسألة طرحت
تجد ذاتها تحتل اهتمامات البشر في كل زمان ومكان؛ لأنها المزية الجوهرية
للإنسان، وهذه هي مزية الفلسفة الأساس، تبدأ من الإنسان لتعود إلى الإنسان؛
لوجود هذا القدر المشترك بين البشر جميعا، ووسيلتها وجود العقل الإنساني
بعده الموجود المشترك بين البشر كلهم، والفاعل الذي يوحد بين وسائلهم
وغاياتهم، ولا يجدون منه نفورا؛ لأنه في الجوهر يعبر عن القاسم المشترك
لآمالهم ومخاوفهم وتطلعاتهم في الوصول إلى الحقيقة بوصفها الغاية التي تجمع
كل البشر على صعيد واحد.
وأكد ضرورة عمل الكليات الإنسانية والعلمية في
الجامعة مع الشركاء خارج الجامعة لترسيخ الفلسفة في برامجها الأكاديمية
وانتشار الفكر، والحوار، وتبادل المعرفة بالطريقة الصحيحة بين الطلبة
والمجتمعات.
وبدوره قال عميد كلية الآداب بالجامعة، الدكتور محمد القضاة
إن المؤتمر الذي يستمر ثلاثة أيام، يأتي انعقاده تزامنا مع احتفال منظمة
اليونسكو باليوم العالمي للفلسفة سنويا الذي يصادف اليوم، موضحا أن المؤتمر
يأتي للتأكيد على أهمية حوار الأفكار بين شمال المتوسط وجنوبه خاصة، وبين
المشرق والمغرب عامة، حيث لا يعرف درب الأفكار حدودا فاصلة، ولا ينكر، في
الوقت نفسه، الاختلاف بينهم، وليست الثقافة المشتركة لدى شعوب منطقة حوض
البحر المتوسط إلا دليلا على بطلان ما يسمى بالحدود الثابتة والفاصلة بين
الشرق والغرب.
وزاد أن الإطار الحضاري العربي الإسلامي استند إلى منظور
متسامح يستوعب السلوك الإنساني بمظاهره المتعددة؛ ما مكن ابن ميمون
ومعاصريه - مسلمين وغير مسلمين – من ممارسة العمل الفكري، والإبداع، وتنمية
الذات، والمحافظة على الهوية، كما منحهم حرية التعلم والتعبير عن الرأي،
فعندما نتحدث عن التواصل الثقافي عبر التاريخ، فإننا لن نجد مثالا أروع من
الحضارة الإسلامية في الأندلس التي كانت جسرا للتواصل بين الثقافتين
العربية والغربية؛ فهي تمثل التقاء الحضارات بين الشرق والغرب، والتأثر
والتأثير في الحضارات.
واستعرض المدير الأقليمي للمعهد الفرنسي للشرق
الأدنى Ifpo الدكتور إياس حسن نشأة المعهد الذي تأسس عام 1922 الذي يعمل
على خدمة المعرفة العلمية في ميادين العلوم الإنسانية والاجتماعية كلها،
منذ العصور القديمة حتى أيامنا هذه، ويسعى المعهد الفرنسي للشرق الأدنى إلى
بناء معارف علمية مشتركة مع كل من المجتمعات التي تستضيف باحثي المعهد،
ومراكز الأبحاث الفرنسية والعالمية.
وتحدث المدير الإقليمي للمعهد
العالمي للفكر الإسلامي الدكتور فتحي ملكاوي عن أهمية التواصل الحضاري
والتبادل الثقافي بين ضفتي المتوسط الذي كان شأنا تاريخيا، وكان للفلسفة
شأن كبير في هذا التواصل، لافتا إلى أهمية التعاون والمشاركة في تنظيم مثل
هذه النشاطات العلمية لبناء فهم مشترك في الأفكار، والمفاهيم، والمدركات
بين المؤسسات.
وقالت مديرة المعهد الملكي للدراسات الدينية الدكتورة
رينيه حتر إن موضوع مؤتمر اليوم "الفهم المشترك بين ضفتي المتوسط: مفاهيم،
أفكار، ومدركات" يتطرق إلى موضوع جوهري يمس حاضرنا ومستقبلنا، هذا الفهم
الذي يمثل الجسر الأساسي لبناء عالم أكثر سلاما وتعاونا وسط التحديات
المتزايدة التي تواجه العالم.
وأضافت أن انعقاد المؤتمر يحمل رمزية
عميقة تذكرنا بالدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه الفلاسفة من الشرق والغرب
في تحفيز الفكر وتعزيز الفهم الذي يسبقه التفاهم، وبينت رئيسة قسم علم
الفلسفة في كلية الآداب بالجامعة الأردنية الدكتورة دعاء علي أن الفلسفة
يحتفى بها اليوم بوصفها شأنا ثقافيا وحضاريا يخص المشترك البشري بماضيه،
وحاضره، ومستقبله؛ إذ يجتمع اليوم مفكرون وباحثون من التوجهات والثقافات
المختلفة؛ ليعملوا معا على خلق مساحة حرة للإبداع الفكري؛ إذ يتحاور
الأداء، وتتلاقى الرؤى في بيئة تتسم بالاحترام والفضول الفكري.
واشتمل
برنامج المؤتمر على محاضرة افتتاحية جاءت بعنوان "شذرات فكرية وصراحة
مسؤولة"، قدمها أستاذ الفيزياء النظرية والباحث الأردني همام غصيب.
وتضيء
الجلسة الثانية من المؤتمر آفاق التعاون "ماذا بعد" التي يشارك فيها
المعهد العالمي للفكر الإسلامي، والمعهد الملكي للدراسات الدينية، والمعهد
الفرنسي للشرق الأدنى إلى جانب الجامعة الأردنية.
--(بترا)