أ. د. محمد عبده حتاملة : آراء واتجاهات في حقل التاريخ
التاريخ العربي
لا شك أننا نلحظ الاهتمام بالتاريخ العربي وصلته بالوعي العربي الحديث، فعند فجر النهضة، ذهب البعض إلى دراسة التاريخ العربي لتكوين الثقة بالنفس، أو ردا على الذين رأوا الخمول ظاهرة متأصلة في تكوين الشعب، وقد أدى ذلك إلى الاهتمام بفترات معينة من التاريخ العربي. وهناك حافز آخر دفع إلى الدراسات التاريخية، وهو الشعور بأن فهم الماضي ضرورة لإدراك الحاضر، وأن تكوين الوعي التاريخي ضروري لفهم مشكلاتنا الحاضرة بغية الإعداد لمستقبل أفضل، وقد تمثل ذلك في دراسة فترات تقع خارج نطاق العصور الزاهرة، وظهرت الحاجة إلى كتب دراسية، فكان ذلك سببا في وضع الكثير من المؤلفات، ويتصب بذلك كتابة الرسائل الجامعية في نواح مختلفة من التاريخ العربي، ولئن كان دور الجامعات في هذا المجال يستحق الذكر إلا أنه يؤخذ عليها أنها ركزت جهودها على التدريس وأغفلت البحث العلمي أسلوبا ونتاجا، وهذه ناحية أساسية في نطاق تاريخ جله لم يبحث، كما أنها تبدو ضرورية لتكوين مؤرخي المستقبل، ولكننا نتساءل، هل لدينت تفسير أو تفاسير للتاريخ العربي؟
لقد رأى بعض المؤرخين القدامى أن التاريخ البشري، بما فيه تاريخ العرب، تعبير عن المشيئة الإلهية، وهذه نظرة تتمثل في عرض الرسالات المتتابعة منتهية بالإسلام، ليصبح التاريخ بعده أمة واحدة هس الأمة الإسلامية وقاعدتها العرب، ومن أمثلة هذا الاتجاه، المؤرخ المعروق «الطبري» مؤلف تاريخ الرسل والملوك، ورأى البعض أن في السيرة دليلاً وهدى، فانصبت الجهود على دراستها لتكون هي القدوة، مؤكدين دور الرسول صلى الله على وسلم في تكوين الأمة وتكوين الأجيال الجديدة، ونستذكر في هذا المجال مغازي الرسول «للواقدي» والسيرة النبوية «لابن إسحاق».
وفسر البعض التاريخ العربي الإسلامي بأنه تعبير عن دور الأشراف العرب في الخروج بالإسلام وحمل الراية ونشر العربية، ولعل مؤلفات (البلاذري) (أنساب الأشراف) خير ما يمثل هذه النظرة. ورأى البعض أن التاريخ سجل لأفراد في مراكز القيادة، بينما رأى آخرون أنه سجل لكافة فعاليات المجموعات من فقهاء وأدباء وغيرهم.
وقدم «ابن خلدون» تفسيرا اجتماعيا حضاريا للتاريخ حين ربط بين تطور المجتمعات من البداوة إلى الحضارة وبين قيام الدول وقوتها وضعفها.
ومع بداية عصر النهضة، اتصلنا بالفكر الأوروبي وتفاسيره التاريخية، ظهرت مؤلفات تتخللها فكرة العروبة، وتتناول تاريخ العرب، وظهرت مؤلفات تحوي نظرات إسلامية في عرض التاريخ العربي، وظهرت دراسات محورها دور الأفذاذ في التاريخ العربي، ودراسات أخرى تعنى بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية في التاريخ العربي.
ومن المتعذر وضع هذه الدراسات جميعها في إطار واحد، فجوانب الاهتمام فيها مختلفة، ولكن لا بد أن يكون لدينا فلسفة أو اتجاهات معينة، وإن نحن أردنا أن يكون لتاريخنا معنى وأن يكون لدراسته قيمة، فلا بد أن تعيد التفكير فيه، في الموضوعات وأساليب البحث، ولعل الجامعات بحاجة لأن تعيد النظر في أساليبها وبرامجها في حقل التاريخ، ولن يتيسر ذلك إلا بالتأكيد على البحث وتوفير الأساتذة الأكفاء. لقد أفدنا من دراسات المستشرقين هم من بيئات غير بيئاتنا وقد يعنيهم ما لا يعنينا.
كما أن كل دراسة من غير أبناء الأمة تبقى محدودة في نظر من يتطلع من الخارج إلى بيئة لم يتغلغل إلى جوها ولم ينفذ إلى طبيعتها. ــ الدستور