الأخبار

عمر عليمات : روح الدولة الأردنية وغياب منظومتنا التعليمية

عمر عليمات : روح الدولة الأردنية وغياب منظومتنا التعليمية
أخبارنا :  

تداعيات ما يجري في المنطقة على الأردن كثيرة، اقتصادية وسياسية واجتماعية، وهذه ما لا ينكره عاقل، إلا أن أزمة التشويش الفكري تمثل أكثر هذه التداعيات وضوحاً، وأعمقها ضرراً، كونها تمتد إلى الهوية الوطنية، وأسس ومبادئ المجتمع.

في ظل تسارع الأحداث وتعدد الصراعات والحروب على مختلف الجبهات المحيطة بالأردن، تشهد ساحتنا الداخلية نوعاً من الانقسام حول طبيعة ما يدور من حولنا، وذلك نتيجة تعدد التيارات والأفكار المتضاربة، ناهيك عن الولاءات العابرة للحدود، وكل ذلك يعود لأسباب عديدة، إلا أن أهمها وأكثر تأثيراً ما هو مرتبط بالمنظومة التعليمية والتربوية.

الكثيرون دقوا جرس الإنذار سابقاً، حول تغييب التربية الوطنية (ليس منهج التربية الوطنية) في مدارسنا وجامعاتنا، وها نحن اليوم نعيش أزمة انقسام خطورتها تلامس خطوطاً حمراء، تتعلق بالأردن ومصالحه العليا.

ما تشهده ساحتنا الداخلية اليوم خطير، ويشير إلى خطايا كبرى ارتُكبت في حق الدولة الأردنية، فعندما نجد فئات وخاصة من الشباب ممن ينساق وراء أي سردية تُسيء لوطنه ودولته بأركانها المختلفة، فهذا يؤكد أن خللاً كبيراً موجود في المنظومة الفكرية لهؤلاء الشباب، وأن منطلقاتهم تستند إلى سرديات ومبادئ غير مرتبطة بمبادئ الدولة ومصالحها العليا.

المنظومة التعليمية والتربوية لا يمكن اختصارها في تزويد الطلاب بالمعرفة الأكاديمية والمعلومات الدراسية بل تتعدى ذلك إلى غرس القيم الوطنية والمبادئ الأساسية للدولة، وتكريس منطلقات التفكير والتمحيص قبل الحُكم على أي أمر يتعلق بالدولة الأردنية، وهذا الدور للأسف شبه غائب عن مدراسنا وجامعاتنا في العقود الأخيرة، مما أفسح المجال أمام ظهور تيارات متباينة وأجندات قد تكون بعيدة كل البعد عن مصلحة الدولة.

غياب التعليم الوطني الفاعل وعدم الاهتمام بتشكيل الشخصية الوطنية التي تستند إلى المبادئ والقيم التي تأسست عليها الدولة، أمر واضح تماماً، فهذا لا يمكن حصره ببعض صفحات في أحد الكُتب بل يتعدى ذلك بناء المنظومة الفكرية للطلاب من خلال استراتيجيات تربوية محددة تشمل المناهج بشكل عام والأنشطة والبرامج والندوات، فالتربية الوطنية لا تعني فقط تعليم الطلاب تاريخ بلادهم أو جغرافيا دولتهم، أو مقتطفات عن شخصيات وطنية بل هي عملية شاملة تتضمن تكريس قيم الانتماء للأرض، بحيث تكون الشخصية الوطنية طاغية في كافة الممارسات اليومية.

التحديات التي تواجهنا اليوم قد تكون الإنذار الأخير، والتغافل عما يجري في ساحتنا الداخلية سيكون له عواقب وخيمة، وهذا ما يتطلب إعادة النظر في دور وزارة التربية والتعليم، ليس فقط كجهة مسؤولة عن التعليم الأكاديمي، بل كحارس على الهوية الوطنية وناقل للمبادئ التي تشكل روح الدولة. يجب أن يعود التعليم إلى دوره الأساسي في بناء الأجيال وصقل الشخصيات التي ستقود الدولة في المستقبل.

الموجة عالية جداً، والفجوة بين الأجيال تعزز من قوة هذه الموجة، فالجيل الجديد يعيش في عالم مختلف عن ذلك الذي سبق، فالتكنولوجيا الحديثة والانفتاح على العالم جعلت الأطفال والشباب أكثر تأثراً بما يحدث خارج الحدود، وفي ظل غياب التعليم الوطني الذي يمكنه توجيه هذه التأثيرات بشكل صحيح، من الطبيعي أن نرى حالة التيه الفكري بين تيارات متعددة ومتضاربة.

بالمحصلة، فإن ما يدور حولنا اليوم كشف عمق الأزمة التي يعيشها المجتمع، ومَن يقلل من أهمية ذلك فهو كمن يريد تغطية الشمس بغربال، وما يقال في العلن وفي وسائل التواصل الاجتماعي ليس سوى قمة جبل الجليد، وإذا لم نستفيق اليوم، فسنرى غداً عجب العجاب، وحينها لا يلوم أحد الأجيال التي تُركت فريسة لتيارات وأفكار متضاربة، فبناء الأوطان يبدأ من بناء الإنسان وليس العكس. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك