الأخبار

علي البلاونة : السلوك الإيراني نحو حزب الله والميليشيات

علي البلاونة : السلوك الإيراني نحو حزب الله والميليشيات
أخبارنا :  

أثناء زيارة الى طهران ولقاء الرئيس هاشمي رفسنجاني، كانت مجموعة من الباحثين والأكاديميين والخبراء يتداولون طبيعة الشخصية الفارسية، خاصة وأنه ورغم التنوع القومي الإيراني، إلا أن عصبية الدولة فارسية التراث والثقافة والمخيلة والآداب والتصورات، وبالتالي تنعكس هذه كقيم وسلوكات على منظومة التفكير والسلوك، ولمعرفتهم بطبيعة الشخصية السياسية الإيرانية، وبراغماتية رفسنجاني، توقعت هذه المجموعة أن يمطرها بالاستعطاف المعلوماتي والمنهجي، حيث يقودك الى فكرته ويوصل اليك رسالته بتأثير سينمائي خادع، خاصة وأن اللغة الفارسية فيها جراح وندوب عميقة وسحيقة تظهر حزينة باكية على نبرات الصوت، ولكن العاملين في حقول التشخيص السياسي، لا تمر عليهم مثل هذه الصور، حتى لوكان المخرج فذا واستثنائيا .

في كل بيئة اجتماعية وجغرافية هناك محددات تظهر، تفرض نفسها على القرار بمختلف مستوياته، ولا يمكن للفارسي أن يتجاهل تاريخيا أنه وريث الإمبراطورية الساسانية، ولا يمكن مطلقا تجاهل أن العرب الوائليين، هم من شق إيوان كسرى وهدموا سلطانه وإمبراطوريته، ولهذا في الفقه السياسي الإيراني أمران حيويان الأول أن الجيوسياسيا الفارسية المعقدة فرضت عليه أن يكونوا أكثر توجسا ويقظة وثانيا أن لا يقاتل على أرضه خوفا من التفسخ وانفراط عقد وحدته، ولذلك ينقل معاركه الى أرض خصومه، أو يدعم الآخرين بناء على أن عدو عدوي صديقي، ورغم العناد الفارسي، إلا أن السلوك الاجتماعي العام مبني على القلق وانعدام الثقة، وكثيرة هي الغزوات الخارجية التي تمت بفعل تعاون داخلي اجتماعيا كان أم عسكريا .

إيران بلد جميل ومجتمعه غير الديني أكثر نضجا ووعيا، وغالبية العاملين والفاعلين في المجال الديني الأمني والعسكري والسياسي هم قوميون متعصبون لفارس، ولكنهم نشأوا في بيئة وثقافة دينية مذهبية، ولازالت هناك عقدة من العربي ثقافيا وجيوسياسيا، ولازال الفارسي لديه إنفصام بالشخصية، فخلال دقائق يمكنك العودة به الى الحسين ومقتله، والبكائيات هي تعويض وإقرار بأخطاء تاريخية لازالت تتحكم بالبناء السيكولوجي، وفي الوقت ذاته يمكنه الحديث معك ككائن مدني وإنساني وليبرالي ولديه أصول في الادارة والتخطيط، تجعله متميزا، ومن النكات الجميلة على ثقل اللاوعي وتحكمه، أن المثقفين الشيعة في لبنان كانوا جزءا هاما من اليسار، وعندما عقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمرا له في جنوب لبنان، انقطعت الكهرباء، فردد الجميع «لا اله الا الله محمدا رسول الله».

كل ما تقدم هو محاولة لفهم سؤال وحيد وهو هل باعت إيران حزب الله والميليشيات التابعة لها بصفقة أو تفاهمات معينة، والجواب العقلية الفارسية عقلية بازار تجاري بزنس ومصالح ومنافع وتفاهمات ومساومات، أضف اليها المدركات السياسية وفهم متطلبات الجيوسياسيا، ولهذا مثلا تفصل إيران ما بين سياستها المحلية وبينها والسياسة الإقليمية والدولية، فلكل منها أسلوب وفهم وسلوك مبني على حجم التهديد والخطر والمنافع والمصالح، والعقلية الفارسية ترى أن وهن الجيوسياسيا الإيرانية تاريخيا يمر عبر الجانب العربي وتحديدا من العراق، فرغم أن ثقافتها العامة ترتبط مع باكستان وأفغانستان وأذربيجان، إلا مركز التوجه السياسي والعسكري الإيراني مركز على الخليج وبلاد الشام.

وعليه ونتيجة للترسيمات الإستعمارية، فقد ظلت بريطانيا أقرب الى الشيعة في إيران والعراق، وكان شاه إيران يستعين ببريطانيا كي يدعم مراجع آل الحكيم الأمن والإستقرار وضبط رجال الدين في إيران، وفي رواية للدكتور عبد الله النفيسي أن رجل الدين العراقي محسن الحكيم أسر له في طهران أنه يخشى الإيرانيين والفرس تحديدا، لأنهم ينظرون للعرب بدونية واحتقار.

ولو حللنا ما جاء على لسان الدكتور محمد علي الحسيني في قناة العربية، وتوقفنا أمام ما نشره وتحدث به الدكتور نبيل الحيدري رغم اختلافي وعدم ثقتي بمعلوماته وتوجهاته، وكتابات أحمد الكاتب، وموسى الموسوي، لوجدنا أن العقل الفارسي القومي يوظف الدين والمذهب والعلاقات الخاصة مع بريطانيا في إطار سلوكه السياسي الإقليمي، كما أن تاريخ إيران السياسي يشير الى أنه وفي غالبية الحقب التاريخية الممتدة كانت بلاد فارس على تقاطع كبير مع الدولة العثمانية وكانت تنقض تحالفاتها وتتحالف مع القوى المعادية.

وانطلاقا من ذلك، فإن السلوك الإيراني وإنشاء الميليشيات والأحزاب ودعم الطائفية ومحاولاتها تدمير المجتمعات حتى الشيعية منها، هو جزء من منطق الحماية، فإضعاف البيئات المحيطة من مصادر قوتها، ودعم الاحزاب والميليشيات وتدمير فكرة الدولة في المحيط العربي، تحت مسمى المقاومة هو هدف إستراتيجي، وأن المقاومة تعمل بشكل لا يتقاطع مع متطلبات الأمن القومي والمصالح الإيرانية.

من النكات أيضا أن وفدا من حركة حماس بقيادة خالد مشعل، ويرافقه محمود الزهار، سافر الى طهران الى جانب اثنين من المستشارين (من دمشق الى طهران) كان ذلك في بداية الألفية، وكانت حماس تعلل النفس بالآمال وترقبها للحصول على تمويل لا يقل حينها عن 50 مليونا، وقد أعدوا لذلك إعدادا جيدا ومقنعا، ولكن أحد المستشارين، وممن يعرفون إيران جيدا، قال لهم هذا ليس قرار إيران، أنتم تخطئون العنوان، وما أن وصلوا الى طهران وأقاموا في الفندق، وقد عاد الوفد حينها بخفي حنين، لأن قرار تمويل العرب السنة يقرره حزب الله بالتعاون مع الحرس الثوري.

اذا تتعامل إيران مع هذه التنظيمات بقوة وتقدم لها دعما مشروطا، لكنه لن يكون اليوم أو غدا على حساب المصلحة الإيرانية، فهي مقدمة عليهم، وعليهم أن يضحوا بأنفسهم من أجلها، لأنهم ليسوا أدوات وإنما لأن إيران تنظر بأنها الأساس في مشروع المواجهة السياسية والمصلحية مع الغرب، وأن عليهم أن يموتوا دونه اذا تطلب الأمر. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك