الأخبار

سارة طالب السهيل تكتب : الهجرة العكسية.. بين الحلم والوهم والمخاطر المحتملة للأوطان الأصلية

سارة طالب السهيل تكتب : الهجرة العكسية.. بين الحلم والوهم والمخاطر المحتملة للأوطان الأصلية
أخبارنا :  

تنامت ظاهرة الهجرة العكسية من أوروبا وأمريكا وكندا إلى أوطاننا العربية، بعد أن كانت الهجرة إلى الغرب حلما لمعظم الباحثين عن الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والرفاهية والتمتع بحقوق الإنسان، وإذا بهذا الحلم يتهاوى خطوة خطوة في السنوات الأخيرة.

وكان اللاجئون العرب الفارون من نيران الحروب والأزمات والإرهاب الداعشي خاصة من سوريا والعراق واليمن أكثر الفئات هجرة إلى الغرب، ودفع الكثير منهم حياتهم خلال مراحل هروبه من سلطات الحدود أو غرقا في البحر عبر قوراب الموت غير الآمنة. وبعض الهجرات الفردية للسعي للرزق أو التعليم الأفضل من بعض البلدان العربية الأخرى وهجرة البعض من إخواننا المسيحيين إلى الغرب؛ بسبب بعض الخطابات والأحكام الاجتماعية غير المسؤولة من قبل الجهلة ومتابعي الفتن.

أما من نجا ووصل إلى بر الأمان، فقد واجه هو ومن هاجر بطرق شرعية،

أزمات عنصرية وتضخم وقوانين بيروقراطية تشل قدرته على الحركة والعمل والإنتاج.

عانى اللاجئون والمهاجرون العرب في بلاد الغربة عامة من إقصاء عنصري متزايد من اليمين المتطرف والأحزاب العنصرية في أوروبا التي تصدر أحكامها المسبقة على المهاجرين وهي أحكام تتصل بالعرق والجنس.

والإقصاء والتهميش والتمييز العنصري وزيادة الضرائب والبطالة، عوامل مهمة في تغير المهاجرين دفعتهم للعودة إلى الأوطان في هجرة عكسية، سيكون لها أثرها بالطبع على دولنا العربية اقتصاديا واجتماعيا. ناهيك عن الهجرة العكسية إلى بلادنا العربية؛ بسبب صعوبة الحياة في الغرب واصفين بلادنا العربية بالسهل والميسور من ناحية الأسعار والتساهل والدلال وكأنك في فندق خمس نجوم، فكل شيء من حولك سهل ومتيسر من ناحية قرب المسافات والليونة بالوقت والمواعيد ووجود الخدمات بشكل سريع تكاليف معقولة من عمالة وغيرها من الأمور الحياتية اليومية من مأكل ومشرب ومواصلات وعمال وخدمات، وتنظيف وغسيل وسباكة وميكانيك سيارات ومواعيد الأطباء والحصول على العلاج والدواء بشكل سريع ومريح.

وصولا لأهم نقطة وهي الأمان النفسي والاستقرار العائلي والحياة الأسرية وتبادل العلاقات الاجتماعية بعيدا عن الوحدة والإقصاء وزحمة العمل والمواعيد التي واجهوها في الغربة.

وظهر مؤخرا عامل ربما كان موجوداً، ولكن أصبح في تفاقم وازدياد ملحوظ في الفترة الأخيرة ألا وهو المفاهيم الأخلاقية وثقافة القيم والعادات والتقاليد العربية الإسلامية والمسيحية المتشابهة في المبدأ وطريقة العيش من حيث المقبول والغير مقبول والحلال والحرام.

علاوة على ضياع الهوية والانتماء إلى الوطن وظهور شخصيات لا تعرف تاريخها ولا أهلها وناسها ورجالها وقادتها، بل لا تعرف طعامها وملابسها وحليها وفنها وأدبها وعلومها، ويصل الأمر إلى عدم معرفة حتى لغتها.

إضافة للسعي طوال اليوم من الفجر إلى النجر للحصول على قوت يومهم دون راحة أو إجازة أو حياة خاصة إلا في يوم واحد في عطلة نهاية الأسبوع، فكل واحد منهم يعمل كالساقية طوال اليوم، ويعود لينام بضع ساعات ليعاود العمل وكأنه آلة في مصنع، ورغم كل هذا فهو لا يستطيع ادخار النقود؛ بسبب غلاء المعيشة، بل ونمط المعيشة المفروض عليه كمواطن بمعايير معينة لا يمكنه النزول عنها

فهو يعمل كالآلة في مصنع، ولكنه لا يستمتع في حياته.

فما فائدة هذا العمل، وهذه النقود وهذه الغربة إن لم تجلب لك السعادة والراحة!

وكانت الطامة الكبرى لكثير من العرب المهاجرين الذين عادوا إلى مواطنهم وأنا شخصيا أعرف منهم بضع عائلات عادوا من أجل الحفاظ على أبنائهم من الهجمة المقصودة لتغيير العالم عبر نشر الجندر بين الأطفال الذين ما زالوا لا يعرفون شيئا عن هذه المواضيع.

فالمهاجرون العرب القادمون من الغرب عاشوا تحت وطأة غربة استنزفت طاقتهم النفسية والروحية، إلى حد إصابة الكثير منهم بأمراض نفسية وقلبية، نتيجة عدم قدرتهم على التأقلم والاندماج في هذه المجتمعات.

فالحرية والمساواة التي كان يحلم بها المهاجرون العرب في الغرب، اكتشفوا بعد أن عاشوا به، إنها مقابل ثمن باهظ، وأن الأمن والأمان في بلادنا العربية مكفول بالأهل والجيران الذين يقفون معك في كل كبيرة وصغيرة، وأنك في حكومتك وبلدك أنت مواطن درجة أولى، وليس مهاجراً عربياً مشكوكاً بأمره طوال الوقت، خاصة وأن الواقع أن المهاجرين تعرضوا لمخاطر عديدة تمس أبناءهم الذين يُخْطَفُون في جرائم منتشرة وكثيرة، ناهيك عن ثقافة سلب الأبوين مسؤوليتهما عن الأبناء تحت مزاعم واهية تتصل بحقوق الطفل، وحرية ممارسته للرزايا الأخلاقية التي هي عكس الطبيعة التي هي مخالفة للفطرة الإنسانية والأديان السماوية التي تحافظ على براءة الأطفال من هذا الدنس البغيض.

والمغالاة في نشر ثقافة المثلية في المدارس العامة، وفي سن مبكرة في كندا كان عاملا مهما في هجرة الكثيرين العكسية.

ربما تصدرت السويد وألمانيا قائمة الدول في الهجرة العكسية حيث غادرها أكثر من 50 ألف مهاجر عام 2022، ولا يزال قطار الهجرة منهما يسير بسرعة.

ويبرهن على ذلك قيام أكثر من عشرة آلاف عربي طلبات لجوئهم للدنمارك.

ولا شك في أن تداعيات كورونا والحرب الروسية الأميركية قد ألقت بظلالها الاقتصادية على الدول الغربية؛ مما سرع وتيرة البطالة وزيادة الضرائب، وبالضرورة قد أثر ذلك كثيرا على طموح المهاجرين العرب وأمنهم الاقتصادي.

الهجرات العكسية لعرب المهجر والمستقرين في الولايات المتحدة، أو غيرها من الدول الأوروبية، إلى بلدان أجدادهم، وعلى الرغم من محدوديتها، تعكس عوامل كثيرة ومتغيرات اجتماعية وثقافية ودينية واقتصادية في بلدان المهجر من جهة، وفي البلدان العربية من جهة أخرى.

وهذه الهجرات العكسية تمثل تحديا كبيرا للبلاد العربية خاصة التي تعاني هي الأخرى من أزمات اقتصادية؛ مما يشكل عبئا جديدا على اقتصادياتها كما يرى الخبراء، إلا أنني أجد بها فرصة للاستفادة من خبرات هؤلاء العائدين إلى أرض الوطن في شتى المجالات العلمية والثقافية وتوظيف خبراتهم في مجالات مختلفة، فكل منهم حصل على الأقل على تعليم لغات مختلفة وخبرات إنسانية في الحد الأدنى وخبرات عملية ومهنية بشكل عام والقليل منهم عاد بأموال للاستثمار في بلاده فهو أيضا فرصة اقتصادية ليس فقط بالمال، بل الاقتصاد يحتاج إلى عقول تدربت وتعلمت وجربت خبرات الناجحين ليطبقها في بلاده.

ويمكن تجاوز العبء الاقتصادي للمهاجرين العائدين باستيعابهم في مشروعات اقتصادية توظف قدراتهم المالية، وتستثمر الخبرات العلمية والعملية التي اكتسبوها في الخارج.

إلا أن عودتهم تشكل في بعض الأحيان حذرا، وليس خطرا حتى لا نعمم؛ لأن القلة منهم ربما ارتبط في جماعات غير قانونية ومريبة سواء على الصعيد الأمني أو السياسي أو حتى الأمن المجتمعي قد يشكل عبئا أمنيا في تحري الهوية الأمنية للعائدين، وإذا ما كانت عودتهم إلى أوطانهم بحثا عن الأمان المفقود أم أنه ارتباط بجماعات في الخارج لها أهداف ضد الأمن القومي لبلادها.

وبما أن لكل بلد مشكلات مختلفة عن الآخر وحتى مواطنيه توجهاتهم ومشاكلهم مختلفة، وفي مقالنا هذا نرصد الهجرة والمهاجرين بشكل عام يشمل من هاجروا لأسباب اقتصادية أو تعليمية أو للبحث عن فرص نجاح فهناك بالمقابل من هاجر، وهو ينتمي إلى منظمات مريبة وبعضهم لغسيل الأموال أو الاتجار بالبشر والمخدرات وبعضهم للعمل ضد أمن واستقرار بلدانهم الأصلية؛ ومن هنا وجب التحذير.

ولكني وسط هذه التحديات أرصد أكثر المشكلات خطورة من جراء الهجرة العكسية وهو الخطورة الاجتماعية الناجمة عما تشربه أطفال المهاجرين العائدين لأوطانهم من توجهات إجرامية أو تخريبية، أو غير مفيدة واختلاطهم بأطفال أوطانهم الأصلية في المدارس والنوادي، وما يترتب عليه من مشكلات أخلاقية نحن في غنى عنها.

ورغم هذه التحديات، فان المهاجرين العائدين لأوطانهم لا بد أن يخضعوا أولا لكشف هيئة صحية لبحث مشكلاتهم النفسية وسرعها علاجها، وأيضا عقد جلسات نفسية وتربوية ونفسية مع أطفالهم لإعادة تأهيلهم في المجتمع العربي بطابعه الثقافي والأخلاقي والديني قبل إعادة دمجهم في بالمدراس والحياة الاجتماعية العربية.

ورغم أننا رصدنا العيوب والمميزات، إلا أنني مع عودة كل مهاجر إلى موطنه ليعود بحماسه ونشاطه للمشاركة في بناء وطنه والعيش بين أهله وناسه وبيئته فلا يؤثر ولا يتأثر بسلبيات شعوب أخرى أو حتى تصدير سلبياته هو أيضا أن جاز التعبير فبلدك العربي أولى بك عد، وشارك فالعمر يمضي، وانت بعيداً تلهث وراء السراب . ــ الراي

مواضيع قد تهمك