الأخبار

سامح المحاريق : الديمقراطية وحرية التعبير.. الكل والجزء الصغير

سامح المحاريق : الديمقراطية وحرية التعبير.. الكل والجزء الصغير
أخبارنا :  

يعتبر نائب رئيس الوزراء توفيق كريشان من البيروقراطيين المرجعيين في الدولة الأردنية، خاصة لتوليه ملف البلديات والإدارة المحلية لفترة طويلة، ويمكن القول، أنه أيضًا من المطلعين على تفاصيل كثيرة في القاعدة الواسعة للفعل السياسي من خلال تواصله المستمر مع ممثليها في مختلف الأنحاء، ومع ذلك، فإن حديثه في زيارة الفريق الوزاري لمحافظة معان يستدعي التأمل في المفهوم الذي يحمله الوزير تجاه الديمقراطية.

التصريح اللافت أن الأردن بلد فيه ديمقراطية أكثر من بعض الدول التي تدعي الديمقراطية، ويستند في ذلك إلى أنه يمكن في الأردن نقد المسؤول بشكل مباشر، وعند هذه النقطة يتضح إلى أن المفهوم المطروح يتعلق بجانب معين من مفردات الديمقراطية، وهي حرية الرأي والتعبير، ولا يتعلق بالمعنى الواسع للديمقراطية الذي نسعى له في الأردن، وهي الديمقراطية التي تقوم على التمثيل والمشاركة في القرار، وتحمل مسؤوليته، ضمن الأطر الدستورية والمصالح العليا للدولة.

انتقاد المسؤولين لم يكن بالمشكلة التي يعاني منها الأردنيون، وخاصة من في مرتبة الوزراء، وحتى الإغضاء عن النقد كان يتم أحيانًا لأسباب اجتماعية لا علاقة لها بالبنية السياسية، ولذلك أن تعتبر الديمقراطية مجرد النقد فهو ليس بالمعنى الصحيح أو المنتج.

قبل أن نواصل الحديث عن الأردن، ثمة سؤال من الضروري إجابته، وهو على النحو التالي، هل يجوز في حالة تصويت أكثر من 90% من مواطني دولة معينة، أن يتم حرمان الطلبة الذين ينتمون إلى الفئة (س) من المواطنين من التعليم، هل يجوز فرض عقوبات تقوم على التفاوت في الدين أو لون البشرة، كأن يحصل المواطن الأبيض البشرة على حكم أقل من المواطنين الآخرين.

هذه مواقف غير واردة في أي بلد ديمقراطي، مع أنها غير مستحيلة، ويمكن لشخص متطرف أن يقترحها، فالتصويت لن يكون في هذه الحالة على أن تشرق الشمس من الغرب، أما سبب انتفاء هذه المواقف هو أنها تتنافى مع الفكرة المؤسسة للدولة وهي المواطنة التي تشكل علاقة قانونية داخل إقليم الدولة وخارجها.

قبل استقلال الهند، كان محمد علي جناح يقترح أن ينحصر حق التصويت في المتعلمين ودافعي الضرائب، وهو ما يبدو عمليًا، ولكنه يفتقد للرؤية الشاملة والعدالة، فالغني يستمر في ثرائه لأنه يستفيد من الفقراء، أما غير المتعلمين فإنهم يشكلون تقصيرًا للدولة الحديثة، واعتباره معطىً طبيعيًا إقرار واضح بالفشل، كما أن المواطنة قيمة مطلقة ذات بعد في منظومة الحقوق الإنسانية لا يمكن أن تخضع للتمييز أو الاستبعاد.

من واقع المواطنة، تنطلق فكرة الديمقراطية، والمواطنة لها حقوقها وعليها واجباتها، فمن الحقوق أن تتابع الدولة شؤون رعاياها في الخارج في حالة وقوعهم في أزمة تهدد سلامتهم وأمنهم، ومن الواجبات أن يلبي المواطنون نداء الدولة في التعبئة العسكرية، ويجب أن تقف هذه الحقوق على أرضية المساواة التي تنطلق من مفهوم المواطنة نفسها، فلا يمكن أن إعفاء أبناء المقتدرين ماديًا لمجرد دفعهم مقابلاً مالياً، بينما يذهب أبناء غير المقتدرين.

هذه المواطنة تمكن من تحقيق المشاركة، ولأن المشاركة تأتي عادةً تمثيلية فيجب أن يتخير المواطنون ممثلين لهم، وهذا التمثيل ليس تفويضًا دائمًا، ولكنه مرتبط بصلاحية معينة فيكون التقييم المتمثل في إعادة أو عدم إعادة الانتخاب الأداة المتوفرة للمواطنين، وكل ذلك لا يتوفر إلا في ظل الشفافية في المعلومات والوعي، فالمواطن لينتخب الممثل المناسب يجب أن تتوفر لديه معلومات حول السياقات السياسية والاقتصادية، والتكلفة وربما التضحيات التي ستترتب على أي قرار، وكذلك، خلفية المرشح وبرنامجه.

في ظل هذه المعطيات يمكن القول إن الأردن يحقق متطلبات مهمة في مجال بناء الديمقراطية، قياسًا بدول أخرى بطبيعة الحال، وأن أمامه الشيء الكثير لينجزه، ومن أهم النقاط الشفافية والوعي التي تسير بموازاة الفعل الديمقراطي، أما أن نختزل الديمقراطية في الكلام والحديث حتى لو كان نقدًا قاسيًا فذلك ليس كافيًا لأنه لا يمثل أصلًا ظاهرةً صحية، فالأولى أن يعاقب المسؤول السياسي بطريقة سياسية أي من خلال الانتخاب، أما أن يصبح المسؤول مجالًا مفتوحًا للتجني والتطاول، فهذه ظاهرة وجدت لتعبر عن تغيب الديمقراطية وليس حضورها، لأن الديمقراطية تعني المسؤولية من الجميع، وتعني أن يترك السياسيون ليدخلوا في مساحتهم الخاصة من النقد والنقد المتبادل، ومن ورائهم الإعلام، أما المواطن فيعينه في النهاية الإدارة ضمن أفضل الممكن لحقوقه وواجباته. ــ الراي

مواضيع قد تهمك